والشَّاعر جِرَان العَود، اسمه الحَارث بن عامر، وتَزوَّج زَوجَتين كان يَضربهُنَّ بالسَّوط؛ ولقِّب "جِران العَود" لأنه كان قد اتَّخذَ جِلداً من جِران (عُنق) العُود (الجَمل المُسِنّ) ليضرب به زوجتيه. تأتِي العجوز الشَّمطاء تُحَاول أنْ تُجدّد شَبابهَا وَقد أصبَحَت هَزِيلة جدّاً وبلَغَت من العُمر عِتيّاً، فهي تَدفع للعَطَّار من طعامِ أهلِها حَتَّى تَشتري الكُحل والمَسَاحيق، ولكن قَد فاتَ الأَوَان، فالدَّهرُ قد أثْخَنَ فيها وفَعلَ فِعلَه، ولَنْ يُصلِح خَبِير التَّجميل أيّ شيء فيها. هذه العجوزٌ أتى عليها الدَّهر فَرحلَ بِشبابُها، ولَمْ يُبقِ لها إلّا التَّجاعيد، وانحنَاءَ الظَّهْرِ، وَغَورَ العَينينِ. لايصلح العطار ما افسده الدهر فهي تمرمر. فأرَادَت هذه العجوز أنْ تُنَاطِحَ الدَّهْرَ، وأنْ تَمْنَعَهُ عن سَيرِهِ وخُطاه في جِسمهَا، تُرَجِّي عَودَة شبابهَا، فَلمَّا رأى زوجُ العجوز هذه المُحَاولاتِ الفاشلةَ في إيقاف الزَّمان؛ وَمَنعهِ من السَّير، قال الأبيات السَّابقة. أرادَت أنْ تُمَنِّيْ نفسَها بأنْ تعودَ فُتُوَّتُها كما كانت؛ لِكَي تَتَمايَل أمام الزوجِ ، وَتُدِلُّ عليه بالشباب ونَضَارتِهِ ، فقامتْ بما تُملي عليها حيلَتُها، من المُبادلة والمُقايضة مع عَطَّارٍ يحملُ المِسكَ، ومُكمِّلات الشباب من حِنَّاء وكُحْلٍ، فَتُعطِيهِ خُبْزَ بيتِها مُقابلَ تلك الأشياء.
وما فعله هذا الشخص هو التدليس المحرم شرعا بعينه لأن فيه غش واضح للآخر. لايصلح العطار ما افسده الدهر يوما فلا تقل. كان هذا هو الحال في الستينات مع ظهور صرعات الشعر وفق موضة فرقة البيتلز البريطانية، فكيف صار في العقود اللاحقة؟ مع ظهور موجة إطالة الشعر حتى الكتفين عند الشباب في السبعينات، وما رافقها من توسعة عرض البناطيل عند القدمين وتضييقها حول الساقين والخصر، وتخصير القمصان مع فتح ازرتها إلى مستوى البطن، ولبس الأحذية عالية الكعبين صار بإمكان، من يريد من الرجال، أنْ يستخدم الباروكة النسائية دون حرج. ولما كانت البحرين في تلك الحقبة بلادا منفتحة على مختلف الصرعات الوافدة، وخالية من الجماعات المتشددة التي تتدخل في خصوصيات الناس وتجبرهم على خيار واحد، على نحو ما كان جاريا وقتذاك في بعض الدول الشقيقة المجاورة، فإن شبابنا وشاباتنا «أخذوا راحتهم» بالكامل لجهة ما يختارون لأنفسهم من ملابس ومظاهر ووسائل ترفيه وترويح. في هذه الحقبة أتذكر، ويتذكر معي الكثيرون من أبناء جيلي شخصا كان يضع شعرا مستعارا فوق صلعته، لكنه كان شعرا مختارا بعناية يصعب معه التفريق بينه وبين الشعر الطبيعي أي على غرار الشعر المستعار لوحش الشاشة «فريد شوقي» ثم لاحقا الشعر المستعار للفنان القدير «عزت أبوعوف».
والحنفية يجيزونها بصفة عامة، والشافعية يجيزونها للمتزوجة بإذن الزوج، والمالكية يجيزونها في حالة وضعها فوق الرأس دون وصلها بالشعر. تقول الموسوعات العربية والاجنبية إن الباروكة تصنع من شعر الحصان، أومن الشعر الآدمي، أو من الشعر الصناعي، وبعضها يصنع من صوف الخراف او شعر الجاموس، وإنها تستخدم لأغراض إضفاء الجمال والشباب والحيوية على من تقدم بهم العمر ففقدوا شعورهم الطبيعية أو تستخدم في المناسبات الدينية كبديل عن شعور اضطر أصحابها لحلاقتها تمشيا مع طقوس دينية معينة، وأن أول ظهور للباروكة بين العامة كان في بريطانيا في حدود عام 1675 للميلاد. غير ان المطلع على التاريخ القديم يكتشف بسهولة أن أول من استخدم الباروكة هم الفراعنة وذلك بغية تغطية رؤوسهم الحليقة أو اتقاء لأشعة شمس مصر الحارقة، وأنهم كانوا يثبتونها باستخدام نوع من الصمغ المستخرج من عسل النحل، وتبعهم في ذلك الآشوريون والفينيقيون والإغريق والرومان بحسب ما تظهره تماثيلهم وآثارهم ورسوماتهم المنقوشة على جدران معابدهم، ثم انتقلت بسقوط الامبراطورية الرومانية، إلى الدولة العباسية في عصرها الذهبي حينما كانت مجتمعاتها منفتحة على ثقافة الآخر وتقاليده الاجتماعية دون حرج، قبل أن تـُبعث مجددا مع مولد القرن السادس عشر.