مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) ثم بينهم فقال: ( من الجنة والناس) وهذا يقوي القول الثاني. وقيل قوله: ( من الجنة والناس) تفسير للذي يوسوس في صدور الناس ، من شياطين الإنس والجن ، كما قال تعالى: ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا) [ الأنعام: 112] ، وكما قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع ، حدثنا المسعودي ، حدثنا أبو عمر الدمشقي ، حدثنا عبيد بن الخشخاش ، عن أبي ذر قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد ، فجلست ، فقال: " يا أبا ذر ، هل صليت ؟ ". قلت: لا. قال: " قم فصل ". قال: فقمت فصليت ، ثم جلست فقال: " يا أبا ذر ، تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن ". قال: قلت: يا رسول الله ، وللإنس شياطين ؟ قال: " نعم ". قال: قلت: يا رسول الله ، الصلاة ؟ قال: " خير موضوع ، من شاء أقل ، ومن شاء أكثر ". قلت: يا رسول الله فما الصوم ؟ قال: " فرض يجزئ ، وعند الله مزيد ". قلت: يا رسول الله ، فالصدقة ؟ قال: " أضعاف مضاعفة ". قلت: يا رسول الله ، أيها أفضل ؟ قال: " جهد من مقل ، أو سر إلى فقير ". قلت: يا رسول الله ، أي الأنبياء كان أول ؟ قال: " آدم ". القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الناس - الآية 6. قلت: يا رسول الله ، ونبي كان ؟ قال: " نعم ، نبي مكلم ".
قلت: يا رسول الله ، كم المرسلون ؟ قال: " ثلثمائة وبضعة عشر ، جما غفيرا ". وقال مرة: " خمسة عشر ". قلت: يا رسول الله ، أيما أنزل عليك أعظم ؟ قال: " آية الكرسي: ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم) ورواه النسائي من حديث أبي عمر الدمشقي به. وقد أخرج هذا الحديث مطولا جدا أبو حاتم بن حبان في صحيحه ، بطريق آخر ، ولفظ آخر مطول جدا ، فالله أعلم. وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن ذر بن عبد الله الهمداني ، عن عبد الله بن شداد ، عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ، إني أحدث نفسي بالشيء لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به. قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " الله أكبر الله أكبر ، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة ". ورواه أبو داود والنسائي من حديث منصور - زاد النسائي ، والأعمش - كلاهما عن ذر به. آخر التفسير ، ولله الحمد والمنة ، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. ورضي الله عن الصحابة أجمعين. حسبنا الله ونعم الوكيل. 373 من حيث: (أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام). وكان الفراغ منه في العاشر من جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وثمانين. والحمد له وحده.
س: لا يصلون في المسجد؟ الشيخ: لا يصلون مع الجماعة، هذا من البدع. س: يعني لا يرد عليهم؟ الشيخ: ولا يبدؤون حتى يصلوا مع المسلمين، حتى ينصروا السنة ويبتعدوا عن البدعة. س: وغلاة الصوفية؟ الشيخ: الصوفية إذا أظهروا بدعتهم وإلا سلم عليهم، إذا أظهروا بدعتهم المكفرة أو موجب للهجر فلا تسلم، وإذا ما أظهروا شيء مع المسلمين في صلاتهم وفي أعمالهم يسلم عليهم ليس لك إلا الظاهر.
قال السعدي: إنما حق عليهم القول بعد أن عرض عليهم الحق فرفضوه، فحينئذ عوقبوا بالطبع على قلوبهم. اهـ. الدرر السنية. وقوله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {الأنعام: 115} وقوله: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ {هود: 119}. قال ابن كثير: يخبر تعالى أنه قد سبق في قضائه وقدره، لعلمه التام وحكمته النافذة، أن ممن خلقه من يستحق الجنة، ومنهم من يستحق النار، وأنه لا بد أن يملأ جهنم من هذين الثقلين الجن والإنس، وله الحجة البالغة والحكمة التامة. اهـ. وعلى ذلك فرحمة الله تعالى ورأفته وحلمه وعفوه ونحو ذلك من صفاته، لا يصح أن تفصل عن علمه وحكمته وعدله وعزته وجبروته وانتقامه ونحو ذلك من صفاته؛ فإن قضاء الله وقدره يجري بمقتضاها جميعا.
فالشيطان يوحي إلى الإنسي باطله ، ويوحيه الإنسي إلى إنسي مثله ، فشياطين الإنس والجن يشتركان في الوحي الشيطاني ، ويشتركان في الوسوسة.... وتدل الآية على الاستعاذة من شر نوعي الشياطين: شياطين الإنس وشياطين الجن " انتهى باختصار. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "تفسير جزء عم": " وقوله: ( مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاس) أي: أن الوساوس تكون من الجن ، وتكون من بني آدم. أما وسوسة الجن ؛ فظاهر ؛ لأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم. وأما وسوسة بني آدم ؛ فما أكثرَ الذين يأتون إلى الإنسان يوحون إليه بالشر ، ويزينونه في قلبه حتى يأخذ هذا الكلام بلُبِّه وينصرف إليه " انتهى. والله أعلم.
وقال الفرَّاء: الوِسْواس، بالكسر: المصدر، وكل ما حدَّث لك أَو وَسْوس، فهو اسم، وفلان المُوَسْوِس، بالكسر: الذي تعتريه الوَساوِس، رجل مُوَسْوِس، ولا يقال: رجل مُوَسْوَس؛ قال أَبو منصور: وإِنَّما قيل: مُوَسْوِس لتحديثه نفسه بالوَسْوسة؛ قال اللَّه - تعالى -: ﴿ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ﴾ [ق: 16]، وقال رؤبة يصف الصياد: وَسْوَسَ يَدْعُو مُخْلِصًا ربَّ الفَلَقْ يقول: لما أَحَسَّ بالصيد، وأَراد رميه، وَسْوس نفسه بالدُّعاء؛ حَذَرَ الخيبة، وقد وَسْوَسَتْ إِليه نفسه وَسْوَسة ووِسْواسًا، بالكسر، ووَسْوس الرجلَ: كلَّمه كلامًا خفيًّا، ووَسْوس إِذا تكلم بكلام لم يبينه. وفي الختام: نرى أنَّ النفس والشيطان كلاهما يشتركان في الوسوسة، ولا يطرد هذه الوسوسة إلا ذكر الله - تعالى - وتحصين النفس بالأذكار المأثورة.