ولما فعل ذلك عبد الرحمن بن ملجم قال: يا علي الحكم ليس لك ولا حكم إلا لله وأخذ ابن ملجم يتلو قول الله تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالعِبَادِ"البقرة: 207. وفي هذه اللحظة نادي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: عليكم به، فأمسكوا بعبد الرحمن بن ملجم، وفر شبيب في البلاد وقدم علي رضي الله عنه جعدة بن هبيرة رضي الله عنه ليصلّى بالناس صلاة الفجر، وحمله الناس إلى بيته، وعلم رضي الله عنه أن هذا السيف مسموم، وأنه ميّت لا محالة، وخاصّة أن هذه الضربة وقعت كما وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم، فاستدعى عبد الرحمن بن ملجم، وكان مكتوف الأيدي. قبل وفاة أمير المؤمنين علي بن أبي ابي طالب رضي الله عنه خاطب قاتله ابن ملجم قائلا: أي عدو الله ألم أحسن إليك؟ قال: بلى. قال: فما حملك على هذا؟ فرد قاتله: شحذته -أي السيف- أربعين صباحًا، وسألت الله أن يُقتل به شر خلقه. استشهاد الامام علي بن ابي طالب. الخليفة الراشد الرابع رد علي ابن ملجم: والله ما أراك إلا مقتولًا، وقد استجاب الله لك ثم قال علي رضي الله عنه: إن مت فاقتلوه، وإن عشت فأنا أعلم ماذا أفعل به. وخلال تلك اللحظات الصعبة خاطب جندب بن عبد الله أمير المؤمنين قائلا ، إن متَّ نبايع الحسن؟ فقال رضي الله عنه: لا آمركم ولا أنهاكم ولما احتضر رضي الله عنه جعل يكثر من قول لا إله إلا الله حتى تكون آخر كلامه، ثم أوصى الحسن والحسين بوصيته وكتباها.
والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، والله الله في الزكاة فإنها تطفئ غضب الرب، والله الله في ذمة نبيكم لا تظلمن بين ظهرانيكم. والله الله في أصحاب نبيكم فإن رسول الله ﷺ أوصى بهم، والله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معاشكم، والله الله فيما ملكت أيمانكم فإن آخر ما تكلم به رسول الله ﷺ أن قال: " أوصيكم بالضعيفين نسائكم وما ملكت أيمانكم". استشهاد علي بن ابي طالب ودرر من أجمل ما قال. الصلاة الصلاة لا تخافن في الله لومة لائم يكفكم من أرادكم وبغى عليكم، وقولوا للناس حسنا كما أمركم الله. ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيولي الأمر شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم، وعليكم بالتواصل والتباذل، وإياكم والتدابر والتقاطع والتفرق، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الآثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب. حفظكم الله من أهل بيت، وحفظ عليكم نبيكم، أستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله.
فقال: ثكلتك أمك، لقد جئت شيئا إذا كيف تقدر عليه؟ قال: أكمن له فى المسجد فإذا خرج لصلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه، فإن نجونا شفينا أنفسنا وأدركنا ثأرنا، وإن قتلنا فما عند الله خير من الدنيا. فقال: ويحك لو غير على كان أهون عليّ؟ قد عرفت سابقته فى الإسلام وقرابته من رسول الله ﷺ، فما أجدنى أنشرح صدرا لقتله. فقال: أما تعلم أنه قتل أهل النهروان؟ فقال: بلى. مجلس شهادة أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام. قال: فنقتله بمن قتل من إخواننا. فأجابه إلى ذلك بعد لأى ودخل شهر رمضان فواعدهم ابن ملجم ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت. وقال: هذه الليلة التى واعدت أصحابى فيها أن يثأروا بمعاوية وعمرو بن العاص فجاء هؤلاء الثلاثة - وهم: ابن ملجم، ووردان، وشبيب، وهم مشتملون على سيوفهم فجلسوا مقابل السدة التى يخرج منها علي، فلما خرج جعل ينهض الناس من النوم إلى الصلاة. ويقول: الصلاة الصلاة فثار إليه شبيب بالسيف فضربه فوقع فى الطاق، فضربه ابن ملجم بالسيف على قرنه فسال دمه على لحيته رضى الله عنه. ولما ضربه ابن ملجم قال: لا حكم إلا لله ليس لك يا على ولا لأصحابك، وجعل يتلو قوله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة: 207].
قال: فما حملك على هذا؟ قال: شحذته أربعين صباحا وسألت الله أن يقتل به شر خلقه. فقال له علي: لا أراك إلا مقتولا به، ولا أراك إلا من شر خلق الله. ثم قال: إن مت فاقتلوه وإن عشت فأنا أعلم كيف أصنع به. وقبل وفاته رضي الله عنه سئل هل يبايعون الحسن من بعده، فقال لا آمركم ولا أنهاكم، وترك وصيته التي نقل نصها ابن كثير: هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين. أوصيك يا حسن وجميع ولدي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ربكم ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا فإني سمعت أبا القاسم ﷺ يقول: "إن صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام"، انظروا إلى ذوي أرحامكم فصلوا ليهوِّن الله عليكم الحساب، الله الله في الأيتام فلا تعفو أفواهم ولا يضيعن بحضرتكم، والله الله في جيرانكم فإنهم وصية نبيكم، ما زال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم. استشهاد علي بن ابي طالب. والله الله في القرآن فلا يسبقنكم إلى العمل به غيركم، والله الله في الصلاة فإنها عمود دينكم، والله الله في بيت ربكم فلا يخلون منكم ما بقيتم فإنه إن ترك لم تناظروا، والله الله في شهر رمضان فإن صيامه جنة من النار.
واستُشهِد عليّ ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلةٍ مضت من رمضان من السنة الأربعين للهجرة، وكان عُمره ثلاثا وستّين سنةً، وقِيل بضعٌ وخمسون.
أضف تعليقك تعليقات القراء الاسم العنوان بريد الإلكتروني * النص *