ما حكم المنتحر وهل هو كافر وما حاله عند الله عزوجل وهل فعلا لا يجوز الترحم عليه؟ نرى ونسمع في كثير من الأحيان بعض المسلمون يطلقون التهم جزافاً على الناس وخاصةً من وقع في معصيةٍ أو من قتل نفسه انتحاراً بسببٍ من الأسباب التي تحيط به من آلمٍ أو جرحٍ أو حياةٍ بائسة يعيشها جعلته يطرب فكرياً وتؤدي به إلى هذه الواقعة فينتحر، ولست هنا لأبرر له، فمهما وصلت الحال بالإنسان لا يحق له قتل نفسه، لأن هذا الجسد خارج عن ملكيته وقراره. في هذا المقال أبين لكم بالدليل والبرهان أن المنتحر عاصٍ ومرتكبٌ لكبيرةٍ ولكن ليس بكافر ويجوز الدعاء له والترحم عليه إن شاء الله. هل يمكن أن يغفر الله للمنتحر - إسلام ويب - مركز الفتوى. فتعالوا معي في سياق القرآن الكريم وسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم نتعرف على ذلك. كما تعلمون أيها الأحباب أن منهجنا كأهل السنَّة والجماعة في فهم نصوص القرآن والسنة من خلال جمعها في سياقٍ واحد، فيقدم المقيِّد على المطلق، والتخصيص على العموم، والناسخ على المنسوخ، ويقدم الحديث الصحيح من الأحاديث على الضعيف، ويردون المتشابه من النصوص إلى المحكم منها، وعلى العكس فهناك فرق ضالة نظرت إلى هذه الأمور بعين واحدة فعميت بصيرتها، فنتج لنا الخوارج وقابلهم المرجئة، ونتج القدرية وقابلهم الجبرية. "
الحمد لله. أولاً: منهج أهل السنَّة والجماعة في فهم النصوص الشرعية أنهم يجمعونها في سياق واحد ، فما كان منها مطلَقا له ما يقيِّده أخذوا بالمقيِّد ، وما كان فيها من عموم له ما يخصصه قدَّموا التخصيص على العموم ، وكذا يقدمون الناسخ على المنسوخ ، ويأخذون بالصحيح من الأحاديث دون الضعيف ، والأهم في هذا الباب: أنهم يردون المتشابه من النصوص إلى المحكم منها ، ولم تقع الفرق الضالة - في مجملها – بما وقعت فيه من مخالفة للحق والصواب في الاعتقاد إلا لأنها نظرت إلى الأدلة بعين واحدة فأخذت ببعض النصوص وأعمت بصرها عن الأخرى ، فنتج لنا الخوارج وقابلهم المرجئة ، ونتج القدرية وقابلهم الجبرية ، وهكذا. ثانياً: المسألة التي ذكرتها - أخي الفاضل – هي من المسائل الجليلة وهي واضحة المعالم في منهج أهل السنَّة والجماعة في فهم نصوص الوحي ، وعماد ذلك: أنه لا يكفر عند أهل السنَّة كفراً مخرجاً من الإسلام ويستحق الخلود في جهنَّم إلا من جاء بما ينقض إسلامه باعتقاد أو قول أو فعل ، وليس من ذلك فعله لمعاصٍ وذنوب يأثم بفعلها ، أو يترتب عليه بفعلها حد أو كفارة ، ولا ينقض بفعلها إسلامه وتوحيده ، إلا أن يستحلَّ فعلها فيكفر بذلك حتى لو يفعلها.
إذا تبيَّن لكم صحة ما سبق فالمحكم من النصوص والقطعي من الأحكام: أن المنتحر ليس يخرج من الإسلام بمجرد فعله، وعليه: فإن الخلود الذي ورد في حديث أبي هريرة ليس هو الخلود نفسه للمشركين والمنافقين والكفار " هذه المسألة (الانتحار) هي من المسائل الواضحة في منهج أهل السنَّة والجماعة وعمادها: (أنه لا يكفر عند أهل السنَّة كفراً مخرجاً من الإسلام ويستحق الخلود في جهنَّم إلا من جاء بما ينقض إسلامه باعتقاد أو قول أو فعل). لذلك نجد أن هذا القاتل لنفسه آثماً بفعله ويستحق الوعيد بالنار لهذه الكبيرة المنهي عنها ولكن ليس مثله كمثل فرعون وأبي لهب وغيرهم من المخلدين في النار ودلالة ذلك ما أسوقه لكم من الأدلة ومنها: 1- إن كل ذنبٍ عدا الشرك بالله قابل للمغفرة من الله تعالى وقد نصَّ الله تعالى على ذلك بقوله: "إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء" (النساء 48)، ولا شك أن قتل الإنسان لنفسه داخل فيما يمكن أن يغفره الله تعالى، وليس هو من الشرك عند أحدٍ من أئمة الإسلام. قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: "وقد أبانت هذه الآية أن كل صاحب كبيرة: ففي مشيئة الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه عليه، ما لم تكن كبيرته شركاً بالله".
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (16/99) – في تعريف الجنون -: "وأما في الاصطلاح: فقد عرفه الفقهاء والأصوليون بعبارات مختلفة منها: أنه اختلال العقل بحيث يمنع جريان الأفعال والأقوال على نهجه إلا نادراً. وقيل: الجنون اختلال القوة المميزة بين الأشياء الحسنة والقبيحة المدركة للعواقب بأن لا تظهر آثارها, وأن تتعطل أفعالها. وعرَّفه صاحب البحر الرائق بأنه: اختلال القوة التي بها إدراك الكليات" انتهى. وأما إن كان ذلك الضغط النفسي على صديقة أسرتكم لم يكن له تأثير على عقلها ، وإنما هي مجرد ضيق نفسي ، وتدري معه ما تقول وما تفعل ، وتميز بين الحسن والقبيح ، وتفرق بين الخطأ والصواب: فلا تكون معذورة بقتل نفسها ، بل هي مؤاخذة على فعلها ، ونسأل الله أن يعفو عنها ، وأن يخفف عن أهلها مصيبتهم ويؤجرهم عليها. والله أعلم
تاريخ النشر: الأحد 26 شوال 1442 هـ - 6-6-2021 م التقييم: رقم الفتوى: 443410 3411 0 السؤال هل يمكن أن يغفر الله للمنتحر، أم إنه يخلد في النار؟ وماذا على أهل المنتحر أن يفعلوا أملًا في أن يخفّف الله عنه العذاب؟ وإذا كان للمنتحر أعمال طيبة، وعبادات تخفف عنه، فهل يمكن أن يغفر الله له أم لا؟ الإجابــة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد: فالانتحار كبيرة من أعظم الذنوب، وأكبر الموبقات، وصاحب هذا الذنب متعرض للوعيد الشديد. وقد وردت في ذلك نصوص كثيرة، فمنها قوله صلى الله عليه وسلم: من قتل نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا. وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِسُمٍّ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا. وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا. متفق عليه. وراجع الفتوى: 10397. ومع هذا؛ فالمنتحر كغيره من أصحاب الكبائر الذين ماتوا على التوحيد، هو تحت مشيئة الله تعالى: إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له؛ فهو -إذن- إذا مات موحدًا، يمكن أن يغفر الله له، ودليل ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عَنْ جَابِرٍ, أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلى الله عَليه وسَلم, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ, هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنْعَةٍ؟ قَالَ: حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ, فَأَبَى ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليه وسَلم لِلَّذِي ذَخَرَ اللهُ لِلأَنْصَارِ.