الثالث: أن المراد السهم الذي رمى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حصن خيبر ، فسار في الهواء حتى أصاب ابن أبي الحقيق وهو على فراشه. وهذا أيضا فاسد ، وخيبر وفتحها أبعد من أحد بكثير. والصحيح في صورة قتل ابن أبي الحقيق غير هذا. الرابع: أنها كانت يوم بدر; قال ابن إسحاق. وهو أصح; لأن السورة بدرية ، وذلك أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم: خذ قبضة من التراب. فأخذ قبضة من التراب فرمى بها وجوههم فما من المشركين من أحد إلا وأصاب عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة وقاله ابن عباس وسيأتي. قال ثعلب: المعنى وما رميت الفزع والرعب في قلوبهم إذ رميت بالحصباء فانهزموا ولكن الله رمى أي أعانك وأظفرك. والعرب تقول: رمى الله لك ، أي أعانك وأظفرك وصنع لك. وما رميت اذ رميت ولكن. حكى هذا أبو عبيدة في كتاب المجاز. وقال محمد بن يزيد: وما رميت بقوتك ، إذ رميت ، ولكنك بقوة الله رميت. وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا البلاء هاهنا النعمة. واللام تتعلق بمحذوف; أي وليبليي المؤمنين فعل ذلك.
وقوله: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم بطريق التلوين. أى: وَما رَمَيْتَ بالرعب في قلوب الأعداء إِذْ رَمَيْتَ في وجوههم بالحصباء يوم بدر وَلكِنَّ اللَّهَ- تعالى- هو الذي رَمى بالرعب في قلوبهم فهزمهم ونصركم عليهم. أو المعنى: ما أوصلت الحصباء إلى أعينهم إذ رميتهم بها، ولكن الله هو الذي أوصلها إليها. ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لهذه الجملة الكريمة: يعنى أن الرمية التي رميتها- يا محمد- لم ترمها أنت على الحقيقة، لأنك لو رميتها ما بلغ أثرها إلا ما يبلغه أثر رمى البشر، ولكنها كانت رمية الله، حيث أثرت ذلك الأثر العظيم.. وما رميت اذ رميت ولكن الله. فأثبت الرمية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن صورتها وجدت منه، ونفاها عنه، لأن أثرها الذي لا تطيقه البشر فعل الله- عز وجل-، فكان الله- تعالى- هو فاعل الرمية على الحقيقة، وكأنها لم توجد من الرسول صلى الله عليه وسلم أصلا. وقال الآلوسى: واستدل بالآية على أن أفعال العباد بخلقه- تعالى- وإنما لهم كسبها ومباشرتها وقال الإمام: أثبت- سبحانه- كونه صلى الله عليه وسلم راميا، ونفى كونه راميا، فوجب حمله على أنه صلى الله عليه وسلم رمى كسبا، والله- تعالى- رمى خلقا.
لعن الله التكنولوجيا وهذه الوسائل التي سمّوها زيفاً وسائل تواصل. رويداً رويداً، شيئاً فشيئاً، بدأ يتفاقم لديّ شعور بالرّيبة والعداء ممّا يحيط بي. فأينما توجّهت وأينما جلست، شعرتُ بهذا الجفاء الذي يوجّهه لي المكان والمتواجدون فيه. قررت عندها اللّجوء إلى الطبّ النفسي، قائلاً في سريرتي، أن مرضاً خطيراً قد ألمَّ بي. استقبلني الطّبيب بالتّرحاب. فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى . [ الأنفال: 17]. وشرحت له ما أُعانيه. فقال مبتسماً: "لا عليك، مجرد أوهام وتهيّؤات... " وسطّر لي وصفة طبيّة، مؤلّفة من عقاقير لم أتهجأها جيّداً بفعل طريقة كتابتها السيّئة، الأمر الذي استدعى من الصّيدلي معاودة الاتّصال بالطّبيب ليفهم منه نوعية الدّواء الموصوف لي تحديداً، وهكذا كان. تناولت أدويتي بانتظام. وأصبحت عاجزاً عن إبداء أيّ ردود أفعال سلبيّة أو إيجابيّة حيال واقع الجفاء والعدوانيّة اللّذين يحيطان بي. فالعقاقير لم تغيّر إحساسي بهذا الواقع المرير، إلاّ أنّ فعلها وتأثيرها كان منصباّ،ً على ردود أفعالي، ما يضمن منع أي ردّ فعلٍ من قبلي حيالها، يؤثّر في مجراها الطّبيعي. وبالتّالي حوّلتني هذه العقاقير، الى شخص غير مؤثر وغير فعّال. عندها قرّرت الانصراف عن هذه العقاقير والتوجّه إلى المحلّلين النفسييّن.
{إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} يسمع تعالى ما أسر به العبد وما أعلن، ويعلم ما في قلبه من النيات الصالحة وضدها، فيقدر على العباد أقدارا موافقة لعلمه وحكمته ومصلحة عباده، ويجزي كلا بحسب نيته وعمله.
وبالفعل، فور دخولي إلى عيادة المُحلِّلَة النفسية، استقبلتني بالتّرحاب، وبشرحٍ مسهبٍ عن الفروق النّوعية بين التّحليل، الذي تكمن قوّته في أنّه قائم على تفهّم مجريات الحياة اليومية للمريض النّفسي، وبين الطّب العقلي القائم على تشخيص الأمراض نسبةً لنواقص ما في بعض مكوّنات الدّماغ، وإذا ما كان هناك نقص أو زيادة في ما تفرزه. وإنّ التّحليل النّفسي يبتعد كلياً عن وصف العقاقير. استبشرت خيراً بهذه الشّروحات، معبّراً عن حالة العداء أو الكراهية التي أشعر بها حيال النّاس والأمكنة. ابتسمت المحلّلة، وكأنّ ما أتكلم عنه موجودة حلوله لديها. ميقاتي وبري... "بطلا مسرحية استكمالاً لمسرحية" - Lebanese Forces Official Website. فقاطعتني مصرّحة: "لا بأس عليك، في مثل هكذا حالات، أنصح مرضاي بالابتعاد عن كل ما ينغِّص عيشهم، وأن يهتموا بأنفسهم، وأن لا يدعوا أي شيء يؤثر في سعادتهم". "سيدتي" أجبتها حانقاً "أنا راغب ومُتمسّك جداً بالعلاقة مع النّاس، ولا أريد الابتعاد عنهم. لكنّي لا أفهم سرّ هذا الجفاء بيننا". خرجت من عندها وأنا حانِق على الطّب النّفسي، بكل مدارسه وتفرّعاته، وتهديداته لنا بأشدّ العواقب إذا لم نستجب لإنذاراته لنا بضرورة التكيّف. فشعرت أيضاً بعدائه وكرهه لي. وليت الأدبار، وسرت طويلاً في أزقة المدينة وشوارعها، مكتفياً بتناول القهوة، ناسياً أنْ أُطعِم معدتي الخاوية منذ أيام.