توهم خطأ القرآن في تسمية مريم "أخت هارون " ( *) مضمون الشبهة: يزعم بعض المتوهمين أن القرآن خلط بين مريم أم المسيح ومريم أخرى كانت أختا لهارون أخي موسى - عليهما السلام -.. وأنه خلط لم يقع مثله في الكتاب المقدس، مع مخالفة القرآن للأناجيل الأربعة فيما أورده عن مريم. وجها إبطال الشبهة: 1) الأخوة التي ذكرها القرآن الكريم في قوله:) يا أخت هارون ( (مريم: ٢٨) هي أخوة الدين والصفة، وليست أخوة النسب. 2) القرآن الكريم هو وحي الله - عز وجل - المنزل، الثابت المحفوظ، بشهادة المخالفين في العقيدة قبل المسلمين، أما الكتاب المقدس فهو كتابات بشرية لم تسلم من التحريف والخطأ بقصد أو بدون قصد، فلا وجه للمفاضلة بينهما. التفصيل: أولا. يا اخت هارون من هو هارون. الأخوة التي ذكرها القرآن الكريم في قوله:) يا أخت هارون ( هي أخوة الدين والصفة، وليست أخوة النسب: ويتضح ذلك من السياق الذي وردت فيه هذه التسمية، فقد وردت في موقف تعجب، واستنكار، وتوبيخ ثقيل عوتبت فيه مريم بهذا الأسلوب، كأنما أراد قومها أن يقولوا لها: يا مريم، يا من كنا نراك أختا لهارون في إيمانه، وصفاته وأخلاقه، أيجوز منك أن تصنعي ما صنعت؟! والمسلمون بوصفهم عربا ورثوا من أعراف لغتهم وبيئتهم ما ينفي وقوع لبس في المعنى، حيث كانوا يؤاخون بين أصحاب الصفات المشتركة، فقد آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين المهاجرين والأنصار؛ لاشتراكهم في الإيمان، وأيد القرآن الكريم هذا المعنى بإقراره أخوة الدين في قوله سبحانـه وتعالى:) إنمـا المؤمنـون إخـوة فأصلحـوا بيـن أخويكـم واتقـوا الله لعلكـم ترحمـون (10) ( (الحجرات).
وهكذا السياق القرآني في سورة مريم جاء ناقلاً قول اليهود في حق مريم ، قال تعالى: { فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا * يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيًا * فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا} (مريم:27-29) فقوله سبحانه: { يا أخت هارون} إنما هو حكاية لتلك المقولة التي صدرت عن قوم مريم ، وإثبات الاسم واللقب لا يدل على أن المسمى واحد. أما معرفة السبب في وصف قوم مريم لها { يا أخت هارون} فهذا أمر آخر، ساكت عنه النص القرآني، وينبغي البحث عنه فيما وراء ذلك. - على أن سياق الآية -وهذا هو الأهم- لم يرد في معرض ذكر نسب مريم ؛ فالقرآن لم يقل: إن مريم أخت هارون ، وإنما ورد في معرض التوبيخ لها؛ لأنها في اعتقاد اليهود حملت سفاحاً، فما علاقة النسب الحقيقي بالسفاح؟ - وهنا ينبغي أن يثار سؤال: لماذا قال اليهود: { يا أخت هارون} ولم يقولوا: (يا أخت موسى و هارون) أو (يا أخت موسى)؟ لا شك أنهم لم يقولوا ذلك عبثاً، وإنما نسبوها إلى هارون ؛ لأن هارون -بحسب زعمهم- كان مصدر عار لهم، حيث صنع لهم عجلاً. يا اخت هارون ما كان ابوك. وأيضاً فإن مريم العذراء -بحسب زعمهم أيضاً- فعلت عاراً؛ لهذا تهكموا بها واستهزؤوا منها قائلين: { يا أخت هارون}.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن سعيد بن أبي صدقة، عن محمد بن سيرين، قال: نبئت أن كعبا قال: إن قوله ( يَا أُخْتَ هَارُونَ) ليس بهارون أخي موسى، قال: فقالت له عائشة: كذبت، قال: يا أمّ المؤمنين، إن كان النبيّ صلى الله عليه وسلم قاله فهو أعلم وأخبر، وإلا فإني أجد بينهما ستّ مئة سنة، قال: فسكتت. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( يَا أُخْتَ هَارُونَ) قال: اسم واطأ اسما، كم بين هارون وبينهما من الأمم أمم كثيرة. يا أخت هارون ما كان ابوك امرا سوء اعراب. حدثنا أبو كريب وابن المثنى وسفيان وابن وكيع وأبو السائب، قالوا: ثنا عبد الله بن إدريس الأودي، قال: سمعت أبي يذكر عن سماك بن حرب، عن علقمة بن وائل، عن المغيرة بن شعبة، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران، فقالوا لي: ألستم تقرءون ( يَا أُخْتَ هَارُونَ) ؟ قلت: بلى وقد علمتم ما كان بين عيسى وموسى، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال: " ألا أخْبَرْتَهُمْ أنَّهُمْ كانُوا يُسَمّونَ بأنْبِيائِهمْ والصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ". حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا عمرو، عن سماك بن حرب، عن علقمة بن وائل، عن المغيرة بن شعبة، قال: أرسلني النبيّ صلى الله عليه وسلم في بعض حوائجه إلى أهل نجران، فقالوا: أليس نبيك يزعم أن هارون أخو مريم هو أخو موسى؟ فلم أدر ما أردّ عليهم حتى رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت له ذلك، فقال: " إنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّون بأسْماءِ مَنْ كانَ قَبْلَهُمْ".
الحمد لله. قال الله عز وجل عن مريم الصديقة لما رزقها الله بعيسى عليه السلام: ( فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) مريم/ 27 ، 28. هل هارون أخو موسى هو أخو مريم؟. فاختلف أهل العلم في قولهم لها: ( يَا أُخْتَ هَارُونَ): قال ابن كثير رحمه الله: " (يَا أُخْتَ هارُونَ) أَيْ يَا شبيهة هارون في الْعِبَادَةِ ، مَا كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا. أَيْ: أَنْتِ مِنْ بَيْتٍ طَيِّبٍ طَاهِرٍ مَعْرُوفٍ بِالصَّلَاحِ وَالْعِبَادَةِ وَالزَّهَادَةِ ، فَكَيْفَ صَدَرَ هَذَا مِنْكِ ؟ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَالسُّدِّيُّ: قِيلَ لَهَا: يَا أُخْتَ هارُونَ: أَيْ: أَخِي مُوسَى ، وَكَانَتْ مِنْ نَسْلِهِ ، كَمَا يُقَالُ لِلتَّمِيمِيِّ: يَا أَخَا تَمِيمٍ ، وَلِلْمُضَرِيِّ: يَا أَخَا مُضَرٍ. وَقِيلَ: نُسِبَتْ إِلَى رَجُلٍ صَالِحٍ كَانَ فِيهِمُ اسْمُهُ هَارُونُ ، فَكَانَتْ تُقَاسُ بِهِ في الزهادة والعبادة. وَحَكَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُمْ شَبَّهُوهَا بِرَجُلٍ فَاجِرٍ كَانَ فِيهِمْ ، يُقَالُ لَهُ هَارُونُ.
القول الثاني: إنَّ هارون المذكور في الآية لم يكن أخاً لمريم (ع) حقيقة وإنَّما كان رجلاً صالحاً من بني إسرائيل، وكان يُضرب به المثل في الصلاح والعفاف، فكانوا إذا أرادوا انْ يصفوا أحداً بالصلاح قالوا هو أخٌ لهارون كما يُقال لمن يُراد وصفه بالكرم هذا أخٌ لحاتم الطائي أي أنَّه شبيهٌ لحاتم في الكرم وذاك شبيهٌ لهارون في الصلاح والعفاف، فقولهم: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ (2) معناه يا شبيهة هارون في الصلاح والعفاف كيف وقعت في هذه الخطيئة؟! حول قوله تعالى يا أخت هارون - موقع مقالات إسلام ويب. فمثُلك لا يليق به اجتراح هذا الفعل المستقبَح!! القول الثالث: إنَّ المراد من هارون في الآية المذكورة هو عينُه هارون الذي كان أخاً لموسى (ع) والمقصود من قولهم: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ﴾ هو تذكيرها بنسبها حيث انَّها تنحدر من نسل هارون النبي (ع) والذي لا يليق بمَن ينحدر من نسله ارتكاب مثل هذا الفعل الشنيع. فقولهم: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ﴾ كقول العرب للرجل: "يا اخا تميم" و"يا أخا ربيعة" و"يا أخا هاشم" يقصدون من ذلك نسبته إلى قبيلة تميم وقبيلة ربيعة وقبيلة هاشم، فقولهم مثلاً: "يا أخا تميم" معناه أيُّها الرجل المنحدر من سلالة تميم والذي هو رأس القبيلة والأب الأول الذي تنتسب إليه كلُّ أفراد القبيلة.
ومن منطلق هذا السؤال أظن أن الكثير مثلي لم يقتنعوا كثيرا بما جاء في بعض التفاسير.