أمَّا المال، فإفسادُه أنه نوعٌ من القدرة، يُحَرِّك داعية الشهوات، ويَجرُّ إلى التنعُّم في المباحات، فيصير التنعُّم مألوفًا، ورُبَّما يَشتدُّ أُنسه بالمال، ويَعجِز عن كَسْب الحلال، فيَقتحم في الشُّبهات مع أنها مُلْهِية عن ذِكر الله تعالى، وهذه لا يَنْفَكُّ عنها أحدٌ. لا يزال لسانك رطبا بذكر الله - Arabic Translators International _ الجمعية الدولية لمترجمي العربية. وأمَّا الجاه، فيكفي به إفسادًا أنَّ المال يُبذل للجاه، ولا يُبذل الجاه للمال، وهو الشِّرك الخَفِي، فيخوض في المُراءاة والمُداهنة، والنفاق وسائر الأخلاق الذميمة، فهو أفسدُ وأفسد (تحفة الأحوذي). فقه الحديث وفوائده: 1- في الحديث حثٌّ على التزهُّد من هذين الشيئين. 2- قال ابن تيميَّة: "أقسامُ الناس في طلب الجاه والمال -في هذا الحديث- أربعة: القسم الأول: يريدون العُلوَّ على الناس والفساد في الأرض بمعصية الله، وهؤلاء هم الملوك والرؤساء المفسدون؛ كفرعون وحِزبه، وهؤلاء هم شرُّ الخَلق؛ قال الله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:4]. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا يدخلُ الجنةَ مَن كان في قلبه مثقالُ ذرة من كِبرٍ، ولا يدخل النارَ مَن في قلبه ذرَّة من إيمان))، فقال رجلٌ: يا رسول الله، إني أحبُّ أن يكون ثوبي حسنًا ونَعلي حسنًا، أفمن الكبر ذاك؟ قال: ((لا؛ إنَّ الله جميل يحبُّ الجمال، الكِبر بَطَرُ الحقِّ وغَمْطُ الناس))، فبَطَر الحقِّ: دَفْعه وجَحْده، وغَمْطُ الناس: احتقارهم وازدراؤهم، وهذا حال مَن يريد العُلوَّ والفساد.
16- هذا الحديث أصلٌ عظيم من أصول التربية الإيمانية؛ وذلك أنَّ المسلم لا يَستشرف ويَجعل همَّه المال والجاه والمنصب، وإنما يَعكف على القيام بما فرَض الله عليه، وإصلاح الأُمَّة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فعند ذلك يرفع الله مكانته، ويعزُّ جاهَه، ويَجعل له لسانَ صدق ومقعد صدقٍ في العالمين. هذا، وأسأل العظيم أن يَقِيَنا هاتين الصفتين الذميمتين، وأن يُثبِّتَنا على الإسلام والسُّنة، وأن يُمِيتَنا على ذلك. وصلى الله على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصَحْبه أجمعين والحمد لله ربِّ العالمين مختصرًا من الألوكـة~
ولا يقال: إنَّ هذا ثواب عظيم على أمر يسير، ففضل الله واسع يؤتيه من يشاء، والله يضاعف لمن يشاء من عباده، إلى سبعمائة ضعف، وفضل الله أعظم، لذا لما قال صلى الله عليه وسلم: «ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدعُ بإثم أو قطيعة رحم» ، فقال رجل من القوم: إذًا نُكْثِرْ، قال: «الله أكْثَر» [الترمذي (3573)، وأحمد (11133)].
لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللهِ): أي: طريّا. وهذا أسلوب خبريّ يُراد منه الأمر، وكأنّه قال: اجعل لسانك رطبا من ذكر الله. وهو أمر بالمداومة والإكثار من ذكر الله عزّ وجلّ، لأنّ ما يجري على اللّسان يثبت في الجَنان، وقديما قالوا:" ما فيك ظهر على فيك "، وكثيرا ما يكون اللّسان دليلا على القلب، كقوله تعالى:{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:الآية 4]. ومن بديع فقه السّلف: قول أبي عثمان النّهدي: إنّي لأعلم السّاعة الّتي يذكرنا الله فيها. لا يزال لسانك رطبا بذكر ه. فقيل له: ومن أين تعلمها ؟ قال: يقول الله عزّ وجلّ:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}. فقيل له: نذكر الله ولا نجد في قلوبنا حلاوة ؟! فقال: احمدوا الله تعالى على أن زيّن جارحة من جواركم بطاعته. الشّاهد من الحديث: أنّ الذّكر بأنواعه، مفضّل على جميع العبادات، ووجه الدّلالة: أنّ العبد إذا كثرت عليه الشّعائر تمسّك بأفضلها، وهو الذّكر. وهل هو أفضل من الجهاد في سبيل الله ؟ هذا ما يأتي بيانه في الحديث الّذي بعد الحديث الآتي. *** (6)- الحديث الّسادس: وعن مالك بنِ يخامرَ أنّ معاذَ بنَ جَبَلٍ رضي الله عنه قال لهم: إِنَّ آخِرَ كَلاَمٍ فَارَقْتُ عَلَيْهِ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم أَنْ قُلْتُ: أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ ؟ قال: (( أَنْ تَمُوتَ وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللهِ)).
* دعاء من فزع في نومه: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا فَزِعَ أحدُكم في النوم فَلْيَقل: أَعوذ بكلمات الله التَّامَّات من غضبه وعذابهِ وشرِّ عِبادِه ، ومن همزات الشَّياطين وأنْ يَحضُرونِ ، فإنها لَنْ تَضُرَّهُ. * دعاء الخروج من البيت: عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من منزله قال اللهم إني أعوذ بك أن أَضِلَّ أو أُضَل أو أَزِلَّ أو أُزَل أو أَظْلِم أو أُظْلَم أو أَجْهَل أو يُجْهَل عليَّ. * دعاء الدخول إلى البيت: يستحبّ أن يقول: باسم اللّه، وأن يكثر من ذكر اللّه تعالى, وأن يسلّمَ سواء كان في البيت آدميّ أم لا*، لقول اللّه تعالى: {فإذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا على أنْفُسِكُمُ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللّه مُبَارَكَةً طَيِّبَةً}. * دعاء دخول الخلاء: عن أنس رضي اللّه عنه : أن رسول اللّه كان يقول عند دخول الخلاء: اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبْثِ وَالخَبَائث. (لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله) | الموقع الرسمي لمعالي الشيخ عبد الكريم بن عبد الله الخضير - حفظه الله تعالى -. الخُبْثِ وَالخَبَائث: جمع خبث وخبيثة أي ذكور الشياطين وإناثهم وقيل المراد كل شيء مكروه ومذموم. وعن علي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سترُ ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول بسم الله.
كما قال اللهُ -تبارك وتعالى-: وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف:28]، فهذه الصِّفات الثلاث -نسأل الله العافية- هي صفات أهل الغفلة: مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا النَّتيجة: وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ، ثم بعد ذلك حاله: وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ، يكون مُضيِّعًا، لا ينهض لله بحقٍّ، ولا ينهض لعباده بحقٍّ، فمثل هذا يكون في غاية التَّفريط والتَّضييع. أسأل الله أن يُلهمنا رُشدنا، وأن يقينا شرَّ أنفسنا، وأن يُعيننا وإيَّاكم على ذكره وشُكره وحُسن عبادته، والله أعلم. وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه. أخرجه الترمذي في "سننه": أبواب الدَّعوات، باب ما جاء في فضل الذكر، برقم (3375)، وصححه الألبانيُّ في "صحيح الجامع"، برقم (7695). انظر: "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (26/ 25).