قال: حدثنا مهران، عن سفيان ( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) يعني: جهنم عليها ثلاث قناطر: قنطرة فيها الرحمة، وقنطرة فيها الأمانة، وقنطرة فيها الربّ تبارك وتعالى. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن ( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) قال: مِرْصاد عمل بني آدم. إن ربك لبالمرصاد. ابن عاشور: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) والعدول عن ضمير المتكلم أو اسم الجلالة إلى { ربك} في قوله: { فصب عليهم ربك سوط عذاب} وقوله: { إن ربك لبالمرصاد} إيماء إلى أن فاعل ذلك رَبه الذي شأنه أن ينتصر له ، فهو مُؤمّل بأن يعذب الذين كذبوه انتصاراً له انتصارَ المولى لوليّه. والمرصاد: المكان الذي يَترقب فيه الرَّصد ، أي الجماعة المراقبون شيئاً ، وصيغةُ مفعال تأتي للمكان وللزمان كما تأتي للآلة ، فمعنى الآلة هنا غير محتمل ، فهو هنا إما للزمان أو المكان إذ الرصد الترقب. وتعريف «المرصاد» تعريف الجنس وهو يفيد عموم المتعلِّق ، أي بالمرصاد لكل فاعل ، فهو تمثيل لعموممِ علم الله تعالى بما يكون من أعمال العباد وحركاتهم ، بحال اطلاع الرصَد على تحركات العدُوّ والمغيرين ، وهذا المثلُ كناية عن مجازاة كل عامل بما عمِله وما يعمله إذ لا يقصد الرصد إلا للجزاءِ على العدوان ، وفي ما يفيده من التعليل إيماء إلى أن الله لم يظلمهم فيما أصابهم به.
أي أسد فراس كان بين يديه ؟ يدق الظلمة بإنكاره ، ويقمع أهل الأهواء والبدع باحتجاجه! الطبرى: وقوله: ( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إن ربك يا محمد لهؤلاء الذين قصصت عليك قَصَصَهم، ولِضُرَبائهم من أهل الكفر، لبالمِرصاد يرصدهم بأعمالهم في الدنيا وفي الآخرة، على قناطر جهنم، ليكردسهم فيها إذا وردوها يوم القيامة. إن ربك لبالمرصاد . [ الفجر: 14]. واختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: معنى قوله: ( لَبِالْمِرْصَادِ) بحيث يرى ويسمع. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) يقول: يَرى ويسمع. وقال آخرون: يعني بذلك أنه بمَرصد لأهل الظلم. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن المبارك بن مجاهد، عن جُويْبِر، عن الضحاك في هذه الآية، قال: إذا كان يوم القيامة، يأمر الربّ بكرسيه، فيوضع على &; 24-412 &; النار، فيستوي عليه، ثم يقول: وعزّتي وجلالي، لا يتجاوزني اليوم ذو مَظلِمة، فذلك قوله: ( لَبِالْمِرْصَادِ). قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا عمرو بن قيس، قال: بلغني أن على جهنم ثلاث قناطر: قنطرة عليها الأمانة، إذا مرّوا بها تقول: يا ربّ هذا أمين، يا ربّ هذا خائن، وقنطرة عليها الرحِم، إذا مرّوا بها تقول: يا ربّ هذا واصل، يا ربّ هذا قاطع؛ وقنطرة عليها الربّ ( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ).
ولهذا يصفُه الله بالطغيان كثيرًا، {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} وهنا قال: {وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} أرسلَ عليهم أنواعًا مِن العذابِ: الطوفانُ والجرادُ والقُمَّلُ والضفادعُ والدمُ، ثم في النهايةِ أغرقهم الله في البحر. {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} الله -تعالى- بالمرصاد للمُكذّبين والعَاتِين والطَّاغين، فكلُّ مَن سارَ على هذا الطريق فالله له بالمرصاد يأخذُهُ كما يشاء أخذَ عزيزٍ مقتدرٍ. وفي هذا تحذيرٌ لقريش وغيرِهم مِن المشركينَ الذين كذَّبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم، تحذيرٌ لهم أن يأخذَهم الله كما أخذَ مَنْ قبلهم، كما قال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا} [المزمل:16،15] يعني: فاحذرُوا أن تعصُوا نبيَّكم فيأخذكم الله كما أخذَ مَنْ قبلَكم، وهذا المعنى يأتي في القرآن كثيرًا.
هذه سورة الفجرِ، وهي مكيَّة، وافتُتحتْ بأقسامٍ جمعُ قَسَمٍ، فأقسمَ اللهُ بأشياءَ منها الفجر، قيل: الفجر مطلقًا أيُّ فجرٍ، كما أقسم بالصبح، {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} [التكوير:18]، وقيل المرادُ به فجرُ يوم النحر؛ لأنَّ يوم النحر هو أفضلُ الأيامِ هو يوم الحجِّ الأكبر. {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} عشرُ ذِي الحجة، {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} الشُّفْعُ خلافُ الوَتْر، والوَتْر هو الواحد الفرد، وهو يعمُّ كلَّ شفعٍ وكل وَتر، والله يُقسِمُ بما شاء من خلقه، وللمُفسِّرين كلامٌ كثيرٌ في تحديدِ وتعيينِ الشفع والوتر {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} قسمٌ بالليل، كما أقسمَ بالليل في مواضع كما تقدم وكما سيأتي، {وَاللَّيْلِ} [الليل:1]، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} حين يمضي مِن أوله إلى وسطِه، تقول: سَرَى الليل، إذا مضى، والذهابُ في الليلِ يُسمَّى "سُرى"، {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء:1] {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ}. قال الله: {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ}؟ نعم {لِذِي حِجْرٍ} أي: لِذِي عقل، والعقلُ يُقالُ له: حِجْرٌ وحِجَا؛ لأنه يمنعُ صاحبَه مِن الوقوع فيما لا يليقُ ولا يحلُّ ولا يصلحُ، فالعقلُ يُسمَّى الحِجا ويُسمَّى الحِجْر، {قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} أي: لصاحب حِجْر.
7 يوليو، 2017 أخبار عاجلة, الرئيسية, فكر ودعوة قال الله تعالى: " إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ " يقول الأستاذ سيد قطب – رحمه الله – تفيض طمأنينة خاصة. فربك هناك راصد لا يفوته شيء. مراقب لا يند عنه شيء. فليطمئن بال المؤمن، ولينم ملء جفونه. فإن ربه هناك!.. بالمرصاد.. للطغيان والشر والفساد!