مرحلة الإذن بالقتال من غير إلزام: ثمَّ بعد ذلك شرع الله -عزَّ وجلَّ- للمسلمين قتال من ظلمهم، فكان في هذه المرحلة مباحًا في حقهم، وقد سبق الحديث عن هذه المرحلة فيما سبق. مرحلة الإلزام بقتال الكافرين: وفي هذه المرحلة انتقل القتال من حكم الإباحة إلى الوجوب فأصبح الجهاد فرضًا في حقِّهم، فكان عليهم قتال من قاتلهم أو اعتدى عليهم أو حتى من وقف في وجه الدعوة الإسلامية، وكذلك أمروا بقتال من ظهر منهم قصد العدوان ببينة ثابتة، ودليل ذلك قول الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، [٦] ويُمكن القول بأنَّ هذه المرحلة هي التي استقرَّ عليه أمر القتال في الإسلام. معاني المفردات في آية: أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا إن بيان معاني مفردات قول الله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} فيما يأتي: أُذِنَ: مأخوذة من الإذن ومعناه في اللغة إجازة الشيء والرخصة فيه. أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله. [٧] ظُلموا: مأخوذة من الظلم، والظلم هو انتهاك حقوق الآخرين عدوانًا، وعلى ذلك فالكلمة معناها هنا من وقع عليهم الظلم.
ومؤدَّى القولين واحد، وهو الأذن بقتال الكفار، الصادِّين عن رسالة الإسلام وهديه. هذا وقد ذهب كثير من السلف أن هذه الآية هي أول آية نزلت في الإذن بجهاد الكافرينº فعن قتادة، في قوله سبحانه: { أُذن للذين يُقاتلون بأنهم ظلموا} قال: هي أول آية أنزلت في القتال، فأذن لهم أن يقاتِلوا. وذلك أن المشركين كانوا يؤذون المؤمنين بمكة أذى شديدًا، فكان المسلمون يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين مضروب ومشجوج يتظلمون إليه، فيقول لهم: اصبروا، فإني لم أُومَر بالقتال. فلما هاجر إلى المدينة، نزلت هذه الآية إذنًا لهم بالتهيؤ للدفاع عن أنفسهم، ولم يكن قتال قبل ذلك، كما يُؤذِنُ به قوله تعالى عقب هذا: { الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق} (الحج:40). وجاء في تفسير ابن كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لما أُخرِج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، قال أبو بكر رضي الله عنه: أخرجوا نبيهم! إنا لله وإنا إليه راجعون ليهلكن. قال ابن عباس رضي الله عنهما: فأنزل الله عز وجل: { أُذن للذين يُقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير} قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: فعرفتُ أنه سيكون قتال. أُذن للذين يُقاتلون بأنهم ظلموا - موقع مقالات إسلام ويب. ووراء سبب نزول هذه الآية، ما يفيد أنه سبحانه وتعالى لم يشأ أن يترك المؤمنين للفتنة، إلا ريثما يستعدون للمقاومة، ويتهيأون للدفاع، ويتمكنون من وسائل الجهاد.
يلومون المسلمين؛ لأنهم هاجموا قوافل قريش التي استولت على أموالهم وأخذت ديارهم، ولا يلومون مَن سلب أموال شعب بأكمله، وقد تكرر هذا في التاريخ كثيرًا. يلومون المسلمين؛ لأنهم قتلوا من قاتلهم قبل ذلك، وعذَّبهم وشرَّدهم، ولا يلومون مَن أباد الشعوب بالبارود والنابالم والقنابل الذرية والعنقودية واليورانيوم! مكاييل مختلفة؛ وذلك لأنهم لا يحكمون بشرع الله I، وإنما يحكمون بأهوائهم. تربية الصحابة قبل القتال قبل هذا التخطيط العسكري لمهاجمة قوى قريش المعادية لا بد من تربية خاصة للنفوس. الآن هناك تشريع جديد، وقانون يسمح بالقتال، ولكن لماذا تقاتل؟ وماذا لو قتلت في المعركة؟ وماذا لو انتصرت؟ هذه أمور لم يعرفها المسلمون قبل ذلك؛ لأن التشريع جديد، والظروف جديدة. هنا نجد أن رسول الله r -كعادته في تربية المؤمنين- لا يكتفي فقط بذكر التشريع الدقيق أو القانون المحكم، إنما يرتقي بأحلام المؤمنين دائمًا إلى الجنة، ويتجه بنياتهم إلى الله U. تفسير: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير). القتال في الإسلام هو قتال في سبيل الله، ليس في سبيل النفس، وليس في سبيل القائد، وليس في سبيل الدنيا بأسرها، إنما هو في سبيل الله. لذلك تجد دائمًا أن كلمة الجهاد في القرآن أو السُّنَّة تأتي مقرونة بـ (في سبيل الله)، {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111].
وهذا والله أعلم. هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن عمران
غير أن أحبّ ذلك إليّ أن أقرأ به: أَذِنَ بفتح الألف, بمعنى: أذن الله, لقرب ذلك من قوله: ( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) أذن الله في الذين لا يحبهم للذين يقاتلونهم بقتالهم, فيردُ أذنَ على قوله: ( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ) وكذلك أحب القراءات إليّ في يُقاتِلُون كسر التاء, بمعنى: الذين يقاتلون من قد أخبر الله عنهم أنه لا يحبهم, فيكون الكلام متصلا معنى بعضه ببعض. وقد اختُلف في الذين عُنوا بالإذن لهم بهذه الآية في القتال, فقال بعضهم: عني به: نبيّ الله وأصحابه. أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا - YouTube. *ذكر من قال ذلك:- حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) يعني محمدا وأصحابه إذا أخرجوا من مكة إلى المدينة; يقول الله: ( وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) وقد فعل. حدثنا ابن بشار, قال: ثنا أبو أحمد, قال: ثنا سفيان, عن الأعمش, عن مسلم البطين, عن سعيد بن جُبير, قال: لما خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم من مكة, قال رجل: أخرجوا نبيهم، فنـزلت: ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) الآية الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
[٢] وعلى ذلك يُمكن القول بأنَّ الله -عزَّ وجلَّ- شرع القتال بالوقت اللائق به، ثمَّ بعد ذلك يختم الله -عزَّ وجلَّ- الآية الكريمة بقوله: {وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} ، وهذا بمثابة وعدٍ منه للمسلمين بنصرهم على أعدائهم، وتتجلى الحكمة من هذا الوعد في حضِّ المسلمين على الإقدام على الجهاد في سبيل الله من غير ترددٍ منه ولا وهن. [٢] أمَّا عن المناسبة بين اسم السورة وذكر الجهاد فيها فيرجع إلى أنَّ عبادة الحجِّ تذكر بالجهاد حيث إنَّ الحجَّ يعدُّ تدريبًا قاسيًا على الجهاد لِما فيه من ارتحالٍ من مكانٍ إلى آخر بالإضافة إلى التعب والاتزام بأوقاتٍ وما إلى ذلك. [٣] وقد مرَّ تشريع الجهاد في الإسلام بثلاثة مراحل، ولا بأس في هذا المقام من ذكر هذه المراحل ، وفيما يأتي ذلك: [٤] مرحلة الإعراض والصفح: حيث كان الصحابة -رضوان الله عليهم- مأمورون بالصبر على أذى المشركين، ودليل ذلك قول الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ، [٥] ويُمكن القول بأنَّ جهادهم في هذه المرحلة كان مقتصرٌ على جهاد النفس وتربيتها على الصبر ، إذ إنَّ ترك الانتقام للنفس والصبر على الأذى ومقابلة الإساءة بالإحسان أمرٌ يشقُّ على الإنسان.