حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا) قال: الكافرون يقولونه. ويعني بقوله ( مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا) من أيقظنا من منامنا، وهو من قولهم: بعث فلان ناقته فانبعثت، إذا أثارها فثارت. وقد ذُكر أن ذلك في قراءة ابن مسعود: (مِنْ أّهَبَّنَاِ مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا).. وفي قوله (هَذَا) وجهان: أحدهما: أن تكون إشارة إلى " ما " ، ويكون ذلك كلاما مبتدأ بعد تناهي الخبر الأول بقوله ( مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا) فتكون " ما " حينئذ مرفوعة بهذا، ويكون معنى الكلام: هذا وعد الرحمن وصدق المرسلون. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة يس - الآية 52. والوجه الآخر: أن تكون من صفة المرقد، وتكون خفضا وردا على المرقد، وعند تمام الخبر عن الأول، فيكون معنى الكلام: من بعثنا من مرقدنا هذا، ثم يبتدىء الكلام فيقال: ما وعد الرحمن، بمعنى: بعثكم وعد الرحمن، فتكون " ما " حينئذ رفعا على هذا المعنى. وقد اختلف أهل التأويل في الذي يقول حينئذ: هذا ما وعد الرحمن، فقال بعضهم: يقول ذلك أهل الإيمان بالله. حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ) مما سر المؤمنون يقولون هذا حين البعث.
قال قتادة: فقال لهم من هدى الله: هذا ما وعد الرحمن. وقال الفراء: فقالت لهم الملائكة: هذا ما وعد الرحمن. النحاس: وهذه الأقوال متفقة ، لأن الملائكة من المؤمنين وممن هدى الله عز وجل. وعلى هذا يتأول قول الله - عز وجل -: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية وكذا الحديث: المؤمن عند الله خير من كل ما خلق. ويجوز أن تكون الملائكة وغيرهم من المؤمنين قالوا لهم: هذا ما وعد الرحمن. وقيل: إن الكفار لما قال بعضهم لبعض: من بعثنا من مرقدنا صدقوا الرسل لما عاينوا ما أخبروهم به ، ثم قالوا: هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون فكذبنا به ، أقروا حين لم ينفعهم الإقرار. وكان حفص يقف على من مرقدنا ثم يبتدئ فيقول: هذا. معنی من بعثنا من مرقدنا. قال أبو بكر بن الأنباري: من بعثنا من مرقدنا وقف حسن ، ثم تبتدئ: " هذا ما وعد الرحمن " ويجوز أن تقف على " مرقدنا هذا " فتخفض هذا على الإتباع للمرقد ، وتبتدئ: " ما وعد الرحمن " على معنى: بعثكم ما وعد الرحمن ، أي: بعثكم وعد الرحمن. النحاس: التمام على " من مرقدنا " و " هذا " في موضع رفع بالابتداء وخبره " ما وعد الرحمن ". ويجوز أن يكون في موضع خفض على النعت ل " مرقدنا " فيكون التمام " من مرقدنا هذا ". "
تفسير ابن كثير 517/6. قال الامام القرطبي: قيل: كيف قالوا هذا وهم من المعذبين في قبورهم؟ فالجواب أن أبي بن كعب قال: ينامون نومة. وفي رواية فيقولون: يا ويلتا من أهبنا من مرقدنا. وقال أبو صالح: إذا نفخ النفخة الأولى رفع العذاب عن أهل القبور وهجعوا هجعة إلى النفخة الثانية وبينهما أربعون سنة؛ فذلك قولهم: { من بعثنا من مرقدنا} وقال ابن عباس وقتادة. وقال أهل المعاني: إن الكفار إذا عاينوا جهنم وما فيها من أنواع العذاب صار ما عذبوا به في قبورهم إلى جنب عذابها كالنوم. قال مجاهد: فقال لهم المؤمنون: { هذا ما وعد الرحمن}. قال قتادة: فقال لهم من هدى الله { هذا ما وعد الرحمن}. يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا عذاب القبر. وقال الفراء: فقالت لهم الملائكة: { هذا ما وعد الرحمن}. النحاس: وهذه الأقوال متفقة؛ لأن الملائكة من المؤمنين وممن هدى عز وجل. ويجوز أن تكون الملائكة وغيرهم من المؤمنين قالوا لهم: { هذا ما وعد الرحمن}. وقيل: إن الكفار لما قال بعضهم لبعض: { من بعثنا من مرقدنا} صدقوا الرسل لما عاينوا ما أخبروهم به، ثم قالوا: { هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون} فكذبنا به؛ أقروا حين لم ينفعهم الإقرار. تفسير القرطبي 39/15. قال الامام أبو حيان: و ما روي عن أبيّ بن كعب و مجاهد و قتادة: من أن جميع البشر ينامون نومة قبل الحشر ، فقالوا: هو غير صحيح الاسناد.
[٧] قيل أيضاً في تفسير الآية الكريمة إنَّ القبور التي كانت الكفار يعتقدون أنهم في الدنيا لن يُبعثوا منها للحساب على أعمالهم، وعندما يروا ما كذبوا به في المحشر، يقولون من بعثنا من مرقدنا وهذا الأمر أيضاً لا ينافي أنهم يُعذبون في قبورهم. [٨] ورد في تفسير الآية الكريمة أنَّ الكفار يجدون في هذه النومة التي تكون في قبورهم نوع من الراحة والنوم ولا يوجد فيها عذاب، لأنَّ العذاب السابق ما قبل النفخة يكون فيه نوع من التعب والإرهاق، ثم يُنادى منادٍ يا أهل القبور، وتكون النفخة الأولى بموت كل كائن حي أما النفخة الثانية فيحيي الله -سبحانه وتعالى- بها كل من مات. [٩] المراجع ↑ سورة يس، آية:52 ↑ مجموعة من المؤلفين، التفسير الوسيط ، صفحة 340. بتصرّف. ↑ ابن عاشور، التحرير والتنوير ، صفحة 342-343. بتصرّف. شبهة القبر و من بعثنا من مرقدنا. ^ أ ب جلال الدين السيوطي، "تحليل قَالُوا من سورة يس آية 52" ، المعاني لكل رسم معنى ، اطّلع عليه بتاريخ 30/3/2022. ↑ سورة يس، آية:52 ↑ مجموعة من المؤلفين، موسوعة التفسير المأثور ، صفحة 491. بتصرّف. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، موسوعة التفسير المأثور ، صفحة 492. بتصرّف. ↑ مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية ، صفحة 2784.
قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ۜ ۗ هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) وقوله ( قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) يقول تعالى ذكره: قال هؤلاء المشركون لما نفخ في الصور نفخة البعث لموقف القيامة فردت أرواحهم إلى أجسامهم، وذلك بعد نومة ناموها ( يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا) وقد قيل: إن ذلك نومة بين النفختين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن خيثمة، عن الحسن، عن أُبي بن كعب، في قوله ( يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا) قال: ناموا نومة قبل البعث. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن رجل يقال له خيثمة في قوله ( يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا) قال: ينامون نومة قبل البعث. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا) هذا قول أهل الضلالة. {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} تلاوة باكيه بصوت الشيخ خالد الجليل 1443هـ - YouTube. والرَّقدة: ما بين النفختين.
4) قال الله تبارك وتعالى عن أصحاب الأُخْدُود: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ﴾ [البروج: 10]، في هذه الآية أخبر الله أن أصحاب الأُخْدُود الذين حرَّقوا المؤمنين والمؤمنات لهم عذابان لا عذاب واحد، فعذاب جهنم في الآخرة، وعذاب الحريق في قبورهم. 5) قال الله سبحانه عن المنافقين من هذه الأُمَّة: ﴿ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾ [التوبة: 101]، قال المفسِّرون: العذاب الأول في الدنيا، والعذاب الثاني في القبور، ثم يُردُّون في الآخرة إلى عذاب غليظ، وهو عذاب جهنم. 6) قال الله عز وجل: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 154]، هذه الآية تُثبِتُ النعيم في البرزخ للشهداء، وأخبرنا الله أننا لا نشعُر بنعيمهم حين نراهم قتلى، وقد تكون أجسادُهم ممزَّقةً، وقد تأكُل أجسادَهم السِّباعُ، وتفنى أبدانُهم في الأرض، ومع ذلك أثبت الله لهم نعيم القبر، وأخبرنا أن لهم حياةً غير حياتهم في الدنيا، وإن كنا لا نشعُر بذلك، وكذلك مَنْ يُعذِّبهم الله في البرزخ لا نشعُر بعذابهم.