توفي المؤرخ والباحث البارز في تاريخ الشرق الأوسط، البريطاني «برنارد لويس»، عن عمر ناهز 101 عام، بعد عمر طويل في العمل الأكاديمي، اشتهر خلاله بأنه مخطط مشروع «سايكس بيكو2»، لتقسيم الدول العربية. خارطة الشرق الأوسط الأمريكية الجديدة – مخطط برنارد لويس! | ساحة التحرير. وحسب صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، فقد شكلت أعمال «لويس» بعمق وجهة النظر الغربية تجاه قضايا الشرق الأوسط، وصراع الحضارات، رغم الانتقادات التي تم توجيهها لكثير من أطروحاته المثيرة للجدل. وعلى مدار سنواته عمله، طرح «لويس» أكثر من 30 مؤلفا ومئات المقالات والمحاضرات بأكثر من 10 لغات، تحدث معظمها عن خطوط ومعالم الشرق الأوسط الحديث، كالانقسامات الطائفية وصعود «الإسلام الراديكالي» و«الدكتاتورية الراسخة» المدعومة نسبيا من الغرب. واكتسب المؤرخ اليهودي الأصل مكانة بين الساسة، بدءا من (إسرائيل) حيث استضافته رئيسة وزراء دولة الاحتلال «جولدا مائير»، ومرورا باهتمام المخابرات البريطانية به، واستقبال البابا «يوحنا بولس الثاني » ، انتهاء باستقطاب ساسة واشنطن له حينما انتقل إلى الولايات المتحدة للتدريس في جامعة «برنستون» عام 1974. ولطالما أثارت طروحات «لويس» السخط والدهشة بين متابعيه، كموقفه من التدخل في العراق، حين أطلق مقولته «كن قاسيا أو أخرج»، في ما أطلق عليه البعض اسم «مذهب لويس» ( Lewis Doctrine).
عقب إطلاق هذا التصريح وبتكليف من وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" بدأ برنارد لويس بوضع مشروعه الشهير الخاص بتفكيك الدول العربية والإسلامية، خاصة العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان وإيران وتركيا وأفغانستان وباكستان والسعودية ودول الخليج ودول الشمال الإفريقي، إلى مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، وقد أرفق بمشروعه المفصل مجموعة من الخرائط المرسومة تبين تصوره لمواقع التقسيم. ويقول البعض إن ما يحدث في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط ليس سوى تطبيق لتصورات برنارد لويس، الذي رحل وبقيت مخططاته.
والحقيقة أنه على امتداد جهود الحلف في السنوات السابقة فإنه لم يخرج عن الأهداف الأمريكية والاستراتيجيات المخططة للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط التي تعتبر قلب العالم والسيطرة عليها تمثل هدفًا استراتيجيًّا، انطلاقًا من نظرية جون سبيكمان فى «الجيوبوليتكس» أن من يسيطر على قلب العالم يمكنه السيطرة على دوائر العالم المختلفة. ولتنفيذ ذلك اتخذت دوائر صنع القرار الأمريكي على عاتقها اتباع طريقين: الأول، استخدام القوة العسكرية والغزو والاحتلال كما حدث في أفغانستان والعراق وهي وسيلة تضمن إسقاط النظم المارقة بالقوة المسلحة وتولية نظم مروَّضة ومبرمجة وفق ما تراه واشنطن. أما الطريق الثاني، وهو التهديد بالتغيير على غرار ما حدث في السنوات الثلاث الماضية. ونرى أن الطريق الأول قد نجح في إحداث التغيير وفق النهج الأمريكي ولكن يظل مرتبطًا واقعيًّا باستمرار الاحتلال العسكري أو استخدام القوة، وفشل الطريق الثاني لأن النظام الرسمي العربي لم يتخلَّ مطلقًا عن ورقة الشارع العربي بغض النظر عن اتفاقه أو اختلافه مع ما تريده الجماهير الرافضة للسياسات الأمريكية والتي تراها السبب الحقيقي وراء زلزال أيلول الذي عصف بأركان القوة الأمريكية الاقتصادية والعسكرية متمثلة في برجي مركز التجارة العالمي ومقر وزارة الدفاع البنتاغون.
وأكد واضعو التقرير أن منطقة الشرق الأوسط الكبير، منطقة شديدة الأهمية، ومصدر متاعب في الوقت نفسه، خصوصًا أن نظم الحكم في المنطقة هي نظم استبدادية، وتفتقر المنطقة إلى نظم ديمقراطية مؤسساتية، بالإضافة إلى ذلك فإن هذه المنطقة تعد موطنًا للاتجاهات الإسلامية المتطرفة سياسيًا، والتي إن لم تكن تشكل مصدرًا للتهديد لمجتمعاتها وجيرانها فهي على الأقل مصدر مهم للقلق وعدم الاستقرار. وقد بدأ بالفعل كبار المسئولين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية محادثات مع حلفاء أوروبيين رئيسيين حول رسم مخطط شامل لعرضه على مؤتمرات القمة التي عقدت في ٢٠٠٤ لكل من مجموعة الدول الثماني الكبرى، ومنظمة حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي. وفى ٢٨ شباط ٢٠٠٤ جدد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش خلال اجتماعه مع المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر في البيت الأبيض دعوته لدول الشرق الأوسط لإجراء إصلاحات سياسية، واعتبر بوش أن فترة ما بعد إسقاط طالبان في أفغانستان نموذج للتغيير السياسي. وأعرب عن اعتقاده بإمكانية تكرار التجربة في دول أخرى بإقامة مؤسسات ديمقراطية، وقال بوش إن هذه التجربة تشكل ميراثًا يجب العمل من خلالها لتغيير ما سماه عادات العنف والخوف والإحباط التي غرست بذور الإرهاب وأدت إلى نموه في الشرق الأوسط، على حد زعمه وأنه من الضروري إقامة المؤسسات الديمقراطية التي تستجيب لتطلعات الشعوب.