وقال: لا ينبغي لأحد أن يصلي صلاة وهو ذاكر لما قبلها لأنها تفسد عليه. وروى الدارقطني عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال - عليه الصلاة والسلام -: ( إذا ذكر أحدكم صلاة في صلاة مكتوبة فليبدأ بالتي هو فيها فإذا فرغ منها صلى التي نسي) وعمر بن أبي عمر مجهول. قلت: وهذا لو صح كانت حجة للشافعي في البداءة بصلاة الوقت. والصحيح ما رواه أهل الصحيح عن جابر بن عبد الله أن عمر يوم الخندق جعل يسب كفار قريش ، وقال يا رسول الله والله ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب ؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فوالله إن صليتها ، فنزلنا البطحان فتوضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وتوضأنا فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العصر بعد ما غربت الشمس ، ثم صلى بعدها المغرب. تفسير سورة طه الآية 14 تفسير ابن كثير - القران للجميع. وهذا نص في البداءة بالفائتة قبل الحاضرة ، ولا سيما والمغرب وقتها واحد مضيق غير ممتد في الأشهر عندنا ، وعند الشافعي كما تقدم. وروى الترمذي عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود أبيه: أن المشركين شغلوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أربع صلوات يوم الخندق ، حتى ذهب من الليل ما شاء الله تعالى ، فأمر بالأذان بلالا فقام فأذن ، ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ثم أقام فصلى المغرب ، ثم أقام فصلى العشاء ، وبهذا استدل العلماء على أن من فاتته صلاة ، قضاها مرتبة كما فاتته إذا ذكرها في وقت واحد.
وصِيغَ نَهْيُ مُوسى عَنِ الصَّدِّ عَنْها في صِيغَةِ نَهْيِ مَن لا يُؤْمِنُ بِالسّاعَةِ عَنْ أنْ يُصَدَّ مُوسى عَنِ الإيمانِ بِها، مُبالَغَةً في نَهْيِ مُوسى عَنْ أدْنى شَيْءٍ يَحُولُ بَيْنَهُ وبَيْنَ الإيمانِ بِالسّاعَةِ، لِأنَّهُ لَمّا وجَّهَ الكَلامَ إلَيْهِ وكانَ النَّهْيُ نَهْيَ غَيْرِ المُؤْمِنِ عَنْ أنْ يَصُدَّ مُوسى، عُلِمَ أنَّ المُرادَ نَهْيُ مُوسى عَنْ مُلابَسَةِ صَدِّ الكافِرِ عَنِ الإيمانِ بِالسّاعَةِ، أيْ لا تَكُنْ لَيِّنَ الشَّكِيمَةِ لِمَن يَصُدَّكَ ولا تُصْغِ إلَيْهِ فَيَكُونُ لِينُكَ لَهُ مُجَرِّئًا إيّاهُ عَلى أنْ يَصُدَّكَ، فَوَقَعَ النَّهْيُ عَنِ المُسَبَّبِ. والمُرادُ النَّهْيُ عَنِ السَّبَبِ، وهَذا الأُسْلُوبُ مِن قَبِيلِ قَوْلِهِمْ: لا أعْرِفَنَّكَ تَفْعَلُ كَذا ولا أرَيَنَّكَ هاهُنا. وزِيادَةُ (﴿واتَّبَعَ هَواهُ﴾) لِلْإيماءِ بِالصِّلَةِ إلى تَعْلِيلِ الصَّدِّ، أيْ لا داعِيَ لَهم لِلصَّدِّ عَنِ الإيمانِ بِالسّاعَةِ إلّا اتِّباعَ الهَوى دُونَ دَلِيلٍ ولا شُبْهَةٍ، بَلِ الدَّلِيلُ يَقْتَضِي الإيمانَ بِالسّاعَةِ كَما أشارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ (﴿لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى﴾).
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) ( إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ) يقول تعالى ذكره: إنني أنا المعبود الذي لا تصلح العبادة إلا له، لا إلَهَ إلا أنا فلا تعبد غيري، فإنه لا معبود تجوز أو تصلح له العبادة سواي (فاعْبُدْنِي) يقول: فأخلص العبادة لي دون كلّ ما عبد من دوني (وأقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي). واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك فقال بعضهم: معنى ذلك: أقم الصلاة لي فإنك إذا أقمتها ذكرتني. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) قال: إذا صلى ذكر ربه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قوله ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) قال: إذا ذكر عَبد ربه. قال آخرون: بل معنى ذلك: وأقم الصلاة حين تذكرها. * ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن مُغيرة، عن إبراهيم في قوله ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) قال: يصليها حين يذكرها. حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: ثني عمي عبد الله بن وهب، قال: ثني يونس ومالك بن شهاب، قال: أخبرني سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلِّها إذَا ذَكَرَها ، قال الله ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) ".
وأن مدخل التعرف عليهم يوم القيامة هو نفسه مدخل إقامة الصلاة بين يديه سبحانه؛ الوضوء والتطهر. تذكير بأهمية الحضور في الصلاة، وموطن الخشوع من إقامتها وقبولها، وأحوال الناس في ذلك وأصنافهم، وأثر الخشوع في بناء شخصية المؤمن والمؤمنة، والتعلق بها بيان زيادة فضل الوضوء، بعد استحضار التعرف به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، الفرح بالنهوض منه، وقد غفرت الذنوب، ومحيت الخطايا، فتكون الصلاة نافلة ومرقاة في درجات القرب منه تعالى. إيقاظ للقلوب من أجل تدبر معاني النداء للصلاة، وتفاعل القلب مع ألفاظه وعباراته، والاستعداد لتلبية النداء، والتحرك خطوة تلو أخرى قصد بيوت الله تعالى للوقوف بين يديه تعالى وسط جموع المسلمين تدبرات في تكبيرة الإحرام وما في الانتصاب للصلاة بالجسد من معاني الحُرمة والتعظيم، وما في دعاء الاستفتاح من زيادة تطهر وصفاء، وما اشتملت عليه سورة الفاتحة من مجامع الخير في الدين الثناء على الله تعالى، وطلب اتباع أحبابه وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وصف لأوضاع الركوع والسجود وما فيهما من أحوال التواضع والقرب، واستجابة الدعاء، وقضاء الحاجات العظمى من عند الله تعالى.