وأما الصوم الصغير (صوم الجسد)، فهو الإمساك عن الملذات الحسية كالجماع وأكل اللحوم ومشتقاتها، وشرب الخمور والامتناع عن قتل الحيوان. يصوم الصابئة 36 يوما موزعة على أشهر السنة وتسمى بالإمساكات، وتنقسم إلى أيام ثابتة وفق التقويم الشمسي، وأيام متحركة وفق التقويم القمري. فأما الثابتة، فاثنان وثلاثون يوما، موزعة على شهور السنة الميلادية، وأما المتحركة فأربعة أيام، توافق كلها أياما مقدسة في الديانة الإسلامية: صيام يوم عرفات ويوم النحر واليوم الأول والأخير من شهر "ناتق" الموافق لرمضان. ويختتم الصابئة أيام صومهم بالاحتفال وذبح الأضاحي. وقد توعد كتابهم "كنز ربا" المهملين في صيامهم بالحرق الأبدي في جنهم: ﴿الْحَيُّ الْمُدْرِكُ "مَنْدَا ادْ هَيِّي" قَائِلًا بِنِدَاءِهِ وَمُنَادِيًا بِصَوْتٍ سَنِيٍّ: مَنْ سَمِعَ وَآمَنَ بِأَقْوَالِهِ وَتَعَالِيمِهِ "كنْزَا رَبَّا"، وَالتَّزَمَ بِتَعَالِيمِهِ، وَتَمَسَّكَ بِأَقْوَالِهِ، سَوْفَ يَصْعَدُ وَيَرَىٰ بَلَدَ النُّورِ، أَمَّا الْفَاسِقُونَ الْمُتَكَاسِلُونَ وَالَّذِينَ اغْفَلُوا مُتَرَاخِينَ عَنْ أدَاءِ صِيَامِهِمْ فَلَنْ يَرَوْا بَلَدَ النُّورِ…. «حفر» «افلاهد» الفاضلة خلال ليالي رمضان. فِي هَـٰذَا الْمَطْهَر يَجْثُمُ أُولَـٰئِكَ الْمُنَافِقُونَ فِي صَومِهِم مِنْ الصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْمُصَلِّينَ الَّذِينَ أَقَامُوا الصَّلَاةَ كَاذِبِينَ، أُولَـٰئِكَ جِيَاعًا لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ يَأْكُلُونْ، وَعِطَاشًا لَّيْسَ لَهُمْ مَاءٌ يَشْرَبُونْ، يُتْرَكُونَ نَائِحِينَ وَمُتَأَلِّمِينَ، رُؤُوسُهُمْ حَاسِرَة، وَسَلامًا لُا يُحْيِيهِمْ، مُقِيمُونَ فِي هَـٰذَا الْمَطْهَر، وَبِالْكَلاَلِيبِ يُعَلِّقُونَ وَفِي النَّارِ وَالْحَمِيمِ يُسْجَرُونَ إلَىٰ يَوْمِ الدِّين﴾.
ومن المعلوم أنَّ نمو الفكر الانساني يبدأ من نقطة ويستمر صعوداً من خلال معاينة الواقع والاحتكاك بالأشياء وسعة الاطلاع وتزايد الخبرات فليس من إنسان ولِدَ وهو متوفرٌ على معرفة [صفحة بيضاء] كما يفترض فرنسيس بيكون.
حازم رعد لا يجافينا الصواب لو قلنا إنَّ الفلسفة ليست غريبة على الإنسان فهي في جوهرها نتاج تأملاته وأفكاره التي تتولد على شكل قناعات ورؤى عن ذاته «أنْ يعرف نفسه» ومواقف ازاء الكون والوجود وتصورات عن مصيره وطريقة العيش الراغب فيها وإنْ بدت تلك الطريقة عند البعض من الأفراد ساذجة في بعض لحظاتها نتيجة السطحية في التفكير. وهنا طالما أنَّ الإنسان [يمتلك العقل فهو يتميز بالروح الفلسفية، والروح الفلسفية هو رغبة في البحث، دائماً في حالة تساؤل لا يبدو على وجهها أي أثر من آثار الإقناع أو الوصول الى حلٍ نهائي ومع ذلك فهي لا تتوقف أبداً] كما يقول محمد عبد المعطى محمد.
وكانت دواوين الوقت في طور التكوين. والكتاب ضربٌ من حدث بسبب الحجم، في صيغة الألواح، أو الرقوق الملفّقة من جلد، بحيث تستهلك فحوى الكتاب الواحد حمولة مجلّدات ينوء بحملها البعير، ممّا جعل الكتاب أنفس لقية. يكفي التدوين فخراً أنه الترياق الوحيد الذي استطاع أن يدقّ المسمار في نعش أعدى أعداء الإنسان وهو: النسيان! ليغدو الكتاب بمثابة الذاكرة الإصطناعية البديلة لهبة طبيعية هشّة كذاكرة الإنسان! لهذه العلّة ظلّ الكتاب، في واقع العالم القديم، ثروة نفيسة مرّتين: مرة بسبب ذخيرته المعرفيّة التي لا تقدّر بثمن، ومرة أخرى بسبب الغلاء الفاحش في السِّعْر، الذي يعادل ثروة حقيقية، ليس بمقدور أحد إنفاقها إلّا الأخيار، ولم يكن ليخطر ببال أحد أن يأتي اليوم الذي يصير فيه هذا الكنز في متناول كل من أوتي علماً في فكّ الحرف، ليغدو في حياة الناس أبخس سلعة، تغترب فيه الحقيقة لهذا السبب. من هو سقراط فيلسوف. جاء الزمن الذي استهان فيه الناس بالكتاب، فما كان من الكتاب إلّا أن بادلهم استهانةً باستهانة، فيخسر البلهاء الرهان، لأن بعزوفهم عن قراءة الكتاب، اغتربوا عن الحقيقة التي تسكن الكتاب، فاغتربوا بهذا الإغتراب عن أنفسهم، لا عن الكتاب. فوجود الكتاب في المتناول بوفرة تسبّب في إضاعة القيمة في الكتاب، عملاً بالقناعة الشائعة التي تستهتر بكل متاح ، تماماً كما تستهتر بالماء والهواء والتراب، لا لشيء، إلّا لأنها عطايا المجّان، وننسى أن ناموس الطبيعة هو الذي قضى أن ما لا يقدّر بثمن حقّاً هو هذا المتاح، لأن غيابه يهدّد وجود الحياة.