ويبين ذلك بأن الله يعوض عليه بالخير الكثير ويشرح قلبه بالاطمئنان وينشرح صدره ويثاب في الدنيا والآخرة. كما يقول الله -عز وجل-في القرآن الكريم (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار). تابع أيضا: صحة حديث خير الدعاء دعاء يوم عرفة هل يكون العوض من جنس الشيء الذي تركه المؤمن؟ مقالات قد تعجبك: الحديث الصحيح هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه). وجاء أن العوض والتعويض من الله عز وجل قد يكون بشيء من جنس الشيء الذي تركه المؤمن من أجل ابتغاء مرضاة الله، أو قد يكون من غير جنسه. قال ابن القيم عليه رحمة الله: " وقولهم من ترك لله شيئًا عوضه الله خيرًا منه: حق، والعوض أنواع مختلفة؛ وأجلّ ما يعوض به الفرد: الأنس بالله ومحبته. وطمأنينة القلب به، وقوته ونشاطه وفرحه ورضاه عن ربه تعالى. هذا التعويض قد يكون شيء محسوس من مال أو رزق مادي. وقد يكون رزق من الله لعبده بدرجات عالية من الإيمان واليقين ودرجات عليا في الجنة. وقد يأتي التعويض في الدنيا وقد يتركه الله للمؤمن مضاعف في الأجرة من جنات النعيم. قال ابن دقيق العيد عليه رحمة الله: " فمن المعلوم أن جميع ما في الدنيا: لا يساوي ذرة مما في الجنة".
نماذج لأمور من تركها لله عوّضه الله خيراً منها: من ترك مسألة الناس، ورجاءهم، وإراقة ماء الوجه أمامهم، وعلق رجاءه بالله دون سواه عوّضه خيراً مما ترك، فرزقه حرية القلب، وعزة النفس، والاستغناء عن الخلق { ومن يتصبر بصبره الله ومن يستعفف يعفه الله}. ومن ترك الاعتراض على قدر الله ، فسلّم لربه في جميع أمره رزقه الله الرضا و اليقين، وأراه من حسن العاقبة ما لا يخطره له ببال. ومن ترك الذهاب للعرافين والسحرة رزقه الله الصبر، وصدق التوكل، وتَحَقُقَ التوحيد. ومن ترك التكالب على الدنيا جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة. ومن ترك الخوف من غير الله، وأفرد الله وحده بالخوف سَلمَ من الأوهام، وأمّنه الله من كل شيء، فصارت مخاوفه أمناً وبرداً وسلاماً. من ترك الكذب، ولزم الصدق فيما يأتي ويذر هُدي إلى البر، وكان عند الله صديقاً، ورزق لسان صدق بين الناس، فسوّدوه، وأكرموه، وأصاغوا السمع لقوله. ومن ترك المراء وإن كان مُحقاً ضُمن له بيت في ربض الجنة، وسلم من شر اللجاج والخصومة، وحافظ على صفاء قلبه، وأمن من كشف عيوبه. ومن ترك الغش في البيع والشراء زادت ثقة الناس به، وكثر إقبالهم على سلعته.
ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: " إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه ". رواه أحمد ( 21996) و قال الألباني: " وسنده صحيح على شرط مسلم " انتهى من " السلسلة الضعيفة (1/62). و هذا التبديل والتعويض قد يكون بشيء من جنس الشيء المتروك ، وقد يكون من غير جنسه. قال ابن القيم رحمه الله: " وقولهم من ترك لله شيئا عوضه الله خيرا منه: حق ، والعوض أنواع مختلفة ؛ وأجلّ ما يعوض به: الأنس بالله ومحبته ، وطمأنينة القلب به ، وقوته ونشاطه وفرحه ورضاه عن ربه تعالى " انتهى من " الفوائد " (ص107). و من أمثلة العوض في الدنيا ، ما ذكره ابن القيم في كتابه القيم " روضة المحبين " (ص445): " لما عقر سليمان بن داود عليهم السلام الخيل التي شغلته عن صلاة العصر ، حتى غابت الشمس: سخر الله له الريح يسير على متنها حيث أراد. ولما ترك المهاجرون ديارهم لله ، وأوطانهم التي هي أحب شيء إليهم: أعاضهم الله أن فتح عليهم الدنيا ، وملكهم شرق الأرض وغربها ". و لو اتقى اللهَ السارقُ ، وترك سرقة المال المعصوم لله: لآتاه الله مثله ، أو خيرا منه ، حلالا. قال الله تعالى: ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) ؛ فأخبر الله سبحانه وتعالى أنه إذا اتقاه ، بترك أخذ مالا يحل له ، رزقه الله من حيث لا يحتسب " انتهى.
قال الشافعي رحمه الله: المرء إن كان مؤمناً ورعاً *** أشغله عن عيوب الورى ورعه كما السقيم العليل أشغله *** عن وجع الناس كلهم وجعه 21 - ومن ترك مجاراة السفهاء، وأعرض عن الجاهلين حمى عرضه، وأراح نفسه، وسلم من سماع ما يؤذيه خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199]. 22 - ومن ترك الحسد سلم من أضراره المتنوعة؛ فالحسد داء عضال، وسم قاتل ومسلك شائن، وخلق لئيم، ومن لؤم الحسد أنه موكل بالأدنى فالأدنى من الأقارب، والأكفاء، والخلطاء، والمعارف، والإخوان. قال بعض الحكماء: ( ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحسود، نفس دائم، وهم لازم، وقلب هائم). 23 - ومن سلم من سوء الظن بالناس سلم من تشوش القلب، واشتغال الفكر، فإساءة الظن تفسد المودة، وتجلب الهم والكدر، ولهذا حذرنا الله عز وجل منها فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ. وقال: { إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث} [رواه البخاري ومسلم]. 24 - ومن اطَّرح الدعة والكسل، وأقبل على الجد والعمل عَلَت همته، وبورك له في وقته، فنال الخير الكثير في الزمن اليسير. ومن هجر اللذات نال المنى ومن *** أكب على اللذات عض على اليد 25 - ومن ترك طلب الشهرة وحب الظهور رفع الله ذكره، ونشر فضله، وأتته الشهرة تُجَرّر أذيالها.
29- ومن ترك العبوس والتقطيب، واتصف بالبشر والطلاقة - لانت عريكته، ورقت حواشيه، وكثر محبوه، وقل شانؤوه. قال - صلى الله عليه وسلم -: « تبَسُّمك في وجه أخيك صدقة » أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب. قال ابن عقيل الحنبلي: " البشر مُؤَنِّسٌ للعقول، ومن دواعي القبول، والعبوس ضده ". وبالجملة فمن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه. فالجزاء من جنس العمل { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} مثال على "من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه" وإذا أردت مثالاً جلياً، يبين لك أن من ترك شيئاً لله عوضه خيراً منه، فانظر إلى قصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز، فلقد راودته عن نفسه فاستعصم، مع ما اجتمع له من دواعي المعصية، فلقد اجتمع ليوسف ما لم يجتمع لغيره، وما لو اجتمع كله أو بعضه لغيره لربما أجاب الداعي، بل إن من الناس من يذهب لمواقع الفتن بنفسه، ويسعى لحتفه بظلفه، ثم يبوء بعد ذلك بالخسران المبين، في الدنيا والآخرة إن لم يتداركه الله برحمته. أما يوسف عليه السلام فقد اجتمع له من دواعي الزنا ما يلي: 1- أنه كان شاباً، وداعية الشباب إلى الزنا قوية.