خطبة: فوائد من قصة يوسف عليه السلام (2) مختصرة من الفوائد التي ذكرها الشيخ عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي رحمه الله الخطبة الأولى الحمد لله، أيها الإخوة: ولا زال الحديث إتمامًا لما سبق عن فوائدَ من قصة يوسف عليه السلام. فمن فوائد تلك السورة: جواز إخبار الإنسان بما يجد، وما هو فيه؛ من مرض، أو فقر، أو غيرهما على غير وَجْه التسخُّط؛ لقول إخوة يوسف عليه السلام: ﴿ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ ﴾ [يوسف: 88]، وأقرَّهم يوسُفُ على ذلك. فوائد قصة يوسف عليه السلام - عالم حواء. ومن الفوائد: فضيلة التقوى والصبر، وأن كل خير في الدنيا والآخرة فمن آثارهما، وإن عاقبة أهلهما أحسن العواقب؛ لقوله: ﴿ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 90]. ومن الفوائد: ما مَنَّ اللهُ به على يوسُف عليه السلام من حُسْن عَفْوِه عن إخوته، وإنه عفا عمَّا مضى، ووعد في المستقبل ألَّا يُثرِّب عليهم، ولا يذكر منه شيئًا؛ لأنه يجرحهم ويحزنهم، وقد أبدوا الندامة التامَّة، ولأجل هذا قال: ﴿ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ﴾ [يوسف: 100]، ولم يقل من بعد أن نزغهم؛ بل أضاف الفعل إلى الشيطان الذي فرَّق بينه وبين إخوته، وهذا من كمال الفتوَّة، وتمام المروءة.
(أخرجه ابن أبي حاتم وغيره) وقال تعالى: (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون). أخرج ابن أبي حاتم عن عمرو ابن مرة قال: ما مررت بآية في كتاب الله لا أعرفها إلا أحزنتني؛ لأني سمعت الله يقول: " وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ". اهتمام السلف بتفسير القرآن: ذكر الإمام الطبري بسنده عن ابن مسعود قال: كان الرجل مـِنـَّا إذا تعلَّم عَشر آيات لم يجاوزهُنَّ حتى يعرف معانيهُنَّ ، والعمل بهنَّ. خطبة: فوائد من قصة يوسف عليه السلام (2). وعن أبي عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا الذين كانوا يُقرئوننا القرآن: أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم ، فكانوا إذا تعلَّموا عَشر آيات لم يخلِّفوها حتى يعملوا بما فيها من العلم والعمل ، فتعلَّمنا القرآن والعلم والعمل جميعــًا. وعن عبد الله ـ يعني ابن مسعود ـ قال: والذي لا إله غيره، ما نزلت آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمَ نزلت، وأين نزلت، ولو أعلم مكان أحدٍ أعلم بكتاب الله مِنّي تنالُه المطايا لأتيته. قال ابن عبد البر رحمه الله: فأول العلم حفظ كتاب الله عز وجل وتفهمه ، وكل ما يعين على فهمه فواجب معه. وقال ابن تيمية رحمه الله: قد فتح الله علَيَّ في هذه المرة من معاني القرآن ومن أصول العلم بأشياء كان كثير من العلماء يتمنونها وندمت على تضييع أكثر أوقاتي في غير معاني القرآن.
قصة يوسف عليه السلام ~ فوائد وعبر ❤️🌴 | الشيخ / نايف المعبدي - YouTube
ومن الفوائد: أن المشاورة نافعةٌ في كلِّ شيء، حتى في تخفيف الشرِّ؛ لهذا تَشاوَرَ إخوةُ يوسف عليه السلام ما يعملون به من قَتْل أو طَرْح في الأرض، قَرَّ رأيُهم على رأي مَنْ أشارَ عليهم بإلقائه في الجُبِّ ليلتقطه بعضُ السيارة، ففيه شاهِدٌ للقاعدة المشهورة "ارتكاب أخفِّ المفْسَدَتَينِ أوْلى من أغلظهما. ولما قرَّ القرارُ على أخْذ من وُجِدَ الصواع في رَحْله، وعالجوا يوسُف على أخْذِ بدله؛ لأجل ما يعلمون من مشقَّة أبيهم، فأمتنع، خلصوا نجيًّا يتشاورون، فقرَّ رأيُهم على رأي كبيرهم أن يبقى هو في مصر يُلاحظ مسألة أخيه، وهم يذهبون ويُخبرون أهلَهم، ويُخبرون أباهم بالقضية وتفصيلها، ولا شكَّ أن بقاءه في مصر أهون على يعقوب وأرجى لتحصيل المطلوب، وفيه نوعُ مواساة منه بأخويه يوسف وبنيامين؛ ولهذا قال: ﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 83]. ومن أعظم الفوائد في تلك السورة: أنَّه لما قصَّ الله تعالى علينا هذه القصة العجيبة بتفاصيلها، قال في آخرها: ﴿ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف: 111]، فنفى عن هذا القرآن الكذب والخطأ من جميع الوجوه، ووصفه بثلاث صفات؛ كل واحدة منها فيها أكبر بُرْهان على أنه من عند الله تعالى، وأنه الحق الذي لا ريب فيه.
ومنها: حسن تدبير يوسف لما تولى خزائن الديار المصرية من أقصاها إلى أقصاها، فنهض بالزراعة حتى كثرت الغلال جدًّا، فصار أهل الأقطار يقصدون مصر لطلب الميرة منها عندما فقدوا ما عندهم؛ لعلمهم بوفورها في مصر، ومن عدله وتدبيره وخوفه أن يتلاعب بها التجار أنه لا يكيل لأحد إلا مقدار الحاجة الخاصة أو أقل، لا يزيد كل قادم على كيل بعير وحمله، وظاهر حاله هذا أنه لا يعطي أهل البلد إلا أقل من ذلك بكثير لحضورهم عنده. فوائد من قصة نبي الله يوسف عليه السلام (2). ومنها: مشروعية الضيافة، وأنها من سنن المرسلين، وإكرام الضيف؛ لقول يوسف: ﴿ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ﴾ [يوسف: 59]. ومنها: أن سوء الظن مع وجود القرائن الدالة عليه غير ممنوع ولا محرم؛ فإن يعقوب قال لأولاده: ﴿ هَلْ آَمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ ﴾ [يوسف: 64]، وقال: ﴿ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا ﴾ [يوسف: 83]. فهم في الأخيرة، وإن لم يكونوا مفرطين، فقد جرى منهم ما أوجب لأبيهم أن يقول ما قال من غير لوم عليه. ومنها: أن استعمال الأسباب الدافعة للعين وغيرها من المكاره، أو الرافعة لها بعد نزولها غير ممنوع، وإن كان لا يقع شيء إلا بقضاء الله وقدره، فإن الأسباب أيضًا من القضاء والقدر؛ لقول يعقوب: ﴿ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ ﴾ [يوسف: 67].
ومن الفوائد: أن شفاء الأمراض كما تكون بالأدوية الحسِّيَّة تكون بأسباب ربَّانية؛ بل يحصل بهذا النوع من أنواع الشفا ما لا يحصل بغيره، فيعقوب عليه السلام قد ابيضَّتْ عيناه من الحزن، وذهب بصرُه، فجعل الله شفاءه وإبصاره بقميص يوسف حين ألقاه على وَجْهِه فارتدَّ بصيرًا؛ لما كان فيه من رائحة يوسف عليه السلام، الذي كان داء عينيه بسبب حُزْنه عليه، فصار شفاؤه الوحيد مع لطف الله في قميص يوسف الملاصق لجسده. ومن فوائد القصة: أن الجهل كما يُطلَق على عدم العلم، فإنه يُطلَق على عدم الحلم، وعلى ارتكاب الذنب؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [يوسف: 33]، وأما قوله: ﴿ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ ﴾ [يوسف: 89] ليس المعنى في ذلك عدم العلم؛ وإنما هو عدم العمل به، واقتحام الذنوب. ومن الفوائد: قوله تعالى: ﴿ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ﴾ [يوسف: 72]، استدل به على ثلاثة أبواب من أبواب العلم: باب الجعالة، وباب الضمان، وباب الكفالة. ومن الفوائد: أن العمل بالشريعة فيه إصلاح الأرض والبلاد واستقامة الأمور، والعمل بالمعاصي من سرقة وغيرها فيه فساد؛ ذلك لقولهم: ﴿ تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ ﴾ [يوسف: 73].