{وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلۡخَآئِضِينَ} (45) ( وكنا نخوض مع الخائضين).. وهي تصف حالة الاستهتار بأمر العقيدة ، وحقيقة الإيمان ، وأخذها مأخذ الهزل واللعب والخوض بلا مبالاة ولا احتفال. وهي أعظم الجد وأخطر الأمر في حياة الإنسان ؛ وهي الشأن الذي ينبغي أن يفصل فيه ضميره وشعوره قبل أن يتناول أي شأن آخر من شؤون هذه الحياة ، فعلى أساسها يقوم تصوره وشعوره وقيمه وموازينه. وعلى ضوئها يمضي في طريق الحياة. وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ - منتديات سكون القمر. فكيف لا يقطع فيها برأي ولا يأخذها مأخذ الجد? ويخوض فيها مع الخائضين ، ويلعب فيها مع اللاعبين?
وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وكنا نخوض مع الخائضين أي كنا نخالط أهل الباطل في باطلهم. وقال ابن زيد: نخوض مع الخائضين في أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وهو قولهم - لعنهم الله - كاهن ، مجنون ، شاعر ، ساحر. وقال السدي: أي وكنا نكذب مع المكذبين. وقال قتادة: كلما غوى غاو غوينا معه. وقيل معناه: وكنا أتباعا ولم نكن متبوعين.
وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ لمَّا لم يسكن قلوبَنا من العلم والإيمان ما يُمتنع به من دعاة الباطل والغَواية، فكُنَّا نَنعق خلف كل ناعق دون فحص ولا بحث ولا تحقيق ولا تمحيص في دعواه أحق أم باطل؟! وكُنَّا كلما سَخِر ساخر أو اغتاب أو نمَّ سخرنا معه واغتبنا ونممْنا؛ هرَبًا من ظلمة الكآبة والشقاوة والحزن إلى وهم السعادة والانشراح والمسرَّة، وإنَّها لسَكرة! وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ | تفسير القرطبي | المدثر 45. وكُنا كلما غَوى غاوٍ غوَينا معه رسمًا بالقلم للأراجيف والفواحش، وبثًّا باللسان للفضائح والشوائع؛ هربًا من الخمول إلى الشهرة، وحُبًّا في مجاراة القوم واكتساب ثنائهم. وكُنَّا نَخوض في دين الله بغير علم، ونتقول على الله الأقاويل؛ استكبارًا عن طلب الحق وسؤال أهله، وغرورًا بما لدينا من فتات علم مخلوط بظلمة البدع والشبهات، لو نفعنا لألجَمَ ألسنتَنا، ثم ماذا؟ لوثات قبيحة، ولطخات واضحة موحشة، وانتشار للأباطيل والأراجيف والفواحش، وهدم الروابط والصلات الاجتماعية، وصَدٌّ عن سبيل الله، وعواقِبُ مُخزية. فحطب كل فتنة: الخائضون بغير نور وبرهان من الحق، بهم تُوقد ويشبُّ ضرامها؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظنُّ أن تبلُغ ما بلغَت؛ فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة)).
وقال السدي {لمن شاء منكم أن يتقدم} إلى النار المتقدم ذكرها، {أو يتأخر} عنها إلى الجنة. قوله تعالى {كل نفس بما كسبت رهينة} أي مرتهنة بكسبها، مأخوذة بعملها، إما خلصها وإما أوبقها. وليست {رهينة} تأنيث رهين في قوله تعالى {كل امرئ بما كسب رهين}[الطور: 21] لتأنيث النفس؛ لأنه لو قصدت الصفة لقيل رهين؛ لأن فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث. وإنما هو اسم بمعنى الرهن كالشتيمة بمعنى الشتم؛ كأنه قيل: كل نفس بما كسبت رهين؛ ومنه بيت الحماسة: أبعد الذي بالنعف نعف كويكب ** رهينة رمس ذي تراب وجندل كأنه قال رهن رمس. والمعنى: كل نفس رهن بكسبها عند الله غير مفكوك {إلا أصحاب اليمين} فإنهم لا يرتهنون بذنوبهم. واختلف في تعيينهم؛ فقال ابن عباس: الملائكة. علي بن أبي طالب: أولاد المسلمين لم يكتسبوا فيرتهنوا بكسبهم. الضحاك: الذين سبقت لهم من الله الحسنى، ونحوه عن ابن جريج؛ قال: كل نفس بعملها محاسبة {إلا أصحاب اليمين} وهم أهل الجنة، فإنهم لا يحاسبون. وكذا قال مقاتل أيضا: هم أصحاب الجنة الذين كانوا عن يمين آدم يوم الميثاق حين قال الله لهم: هؤلاء في الجنة ولا أبالي. وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ | تفسير ابن كثير | المدثر 45. وقال الحسن وابن كيسان: هم المسلمون المخلصون ليسوا بمرتهنين؛ لأنهم أدوا ما كان عليهم.
واترك ناجم الشَّرِّ حصيدًا، وباب الفتنة مُغلقًا، واعلم أنَّ الباطل نَسوف عَصوف ولو بعد حين، واعلم أنَّ مَن اتَّقى الله، وآثر رضاه، وطلب ما عنده، أمسكَ لسانه، وأطبق فاه، وغَلَّبَ عقله، ودينَه على هواه، وجعل سعْيَه للآخرة، وتذكَّر قوله تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]. مرحباً بالضيف