تفسير سورة الفجر وهي مكية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْفَجْرِ ( 1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ ( 2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ( 3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ ( 4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ ( 5). الظاهر أن المقسم به، هو المقسم عليه، وذلك جائز مستعمل، إذا كان أمرًا ظاهرًا مهمًا، وهو كذلك في هذا الموضع. فأقسم تعالى بالفجر، الذي هو آخر الليل ومقدمة النهار، لما في إدبار الليل وإقبال النهار، من الآيات الدالة على كمال قدرة الله تعالى، وأنه وحده المدبر لجميع الأمور، الذي لا تنبغي العبادة إلا له، ويقع في الفجر صلاة فاضلة معظمة، يحسن أن يقسم الله بها، ولهذا أقسم بعده بالليالي العشر، وهي على الصحيح: ليالي عشر رمضان، أو [ عشر] ذي الحجة، فإنها ليال مشتملة على أيام فاضلة، ويقع فيها من العبادات والقربات ما لا يقع في غيرها. تفسير سورة الفجر السعدي صوتي. وفي ليالي عشر رمضان ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر، وفي نهارها، صيام آخر رمضان الذي هو ركن من أركان الإسلام. وفي أيام عشر ذي الحجة، الوقوف بعرفة، الذي يغفر الله فيه لعباده مغفرة يحزن لها الشيطان، فما رئي الشيطان أحقر ولا أدحر منه في يوم عرفة، لما يرى من تنزل الأملاك والرحمة من الله لعباده، ويقع فيها كثير من أفعال الحج والعمرة، وهذه أشياء معظمة، مستحقة لأن يقسم الله بها.
( وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) تقودها الملائكة بالسلاسل. فإذا وقعت هذه الأمور فـ ( يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنْسَانُ) ما قدمه من خير وشر. ( وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى) فقد فات أوانها، وذهب زمانها، يقول متحسرًا على ما فرط في جنب الله: يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي الدائمة الباقية، عملا صالحًا، كما قال تعالى:
وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ↓ وأما إذا ما اختبره, فضيق عليه رزقه, فيظن أن ذلك لهوانه على الله, فيقول: ربي أهانن. إسلام ويب - تفسير السعدي - تفسير سورة الفجر. كَلاَّ بَل لّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ↓ ليس الأمر كما يظن هذا الإنسان, بل الإكرام بطاعة الله, والإهانة بمعصيته, وأنتم لا تكرمون اليتيم, ولا تحسنون معاملته, وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ↓ ولا يحث بعضكم بعضا على إطعام المسكين, وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَّمًّا ↓ وتأكلون حقوق الأخرين في الميراث أكلا شديدا, وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ↓ وتحبون المال حبا مفرطا. كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ↓ ما هكذا ينبغي أن يكون حالكم. فإذا زلزلت الأرض وكسر بعضها بعضا, وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ↓ وجاء ربك لفصل القضاء بين خلقه, والملائكة صفوفا صفوفا, وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ↓ وجيء في ذلك العظيم العظيم بجهنم, يومئذ يتعظ الكافر ويتوب, ومن أين له الاتعاظ والتوبة, وقد فرط فيهما في الدنيا, وفات أوانهما؟ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ↓ يقول: يا ليتني قدمت في الدنيا من الأعمال ما ينفعني لحياتي في الآخرة.
والليل إذا يسر أي: [ ص: 1966] وقت سريانه وإرخائه ظلامه على العباد، فيسكنون ويستريحون ويطمئنون، رحمة منه تعالى وحكمة. هل في ذلك المذكور قسم لذي حجر أي: لذي عقل؟ نعم، بعض ذلك يكفي، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
وَالْفَجْرِ (1) الظاهر أن المقسم به، هو المقسم عليه، وذلك جائز مستعمل، إذا كان أمرًا ظاهرًا مهمًا، وهو كذلك في هذا الموضع. فأقسم تعالى بالفجر، الذي هو آخر الليل ومقدمة النهار، لما في إدبار الليل وإقبال النهار، من الآيات الدالة على كمال قدرة الله تعالى، وأنه وحده المدبر لجميع الأمور، الذي لا تنبغي العبادة إلا له، ويقع في الفجر صلاة فاضلة معظمة، يحسن أن يقسم الله بها، ولهذا أقسم بعده بالليالي العشر، وهي على الصحيح: ليالي عشر رمضان، أو [عشر] ذي الحجة، فإنها ليال مشتملة على أيام فاضلة، ويقع فيها من العبادات والقربات ما لا يقع في غيرها.
[١٠] [٩] فلنحرص -عباد الله- على أداء سنن هذا اليوم ؛ فعند وُصول المُصلي إلى المسجد فإنه يشغلُ نفسه بسماع الخطبة في يوم الجمعة، والذكر، والصلاة، وقراءة القُرآن، و يُسنُّ في هذا اليوم المبارك قراءة سورة الكهف ، فمن قرأها كانت له نوراً ما بين الجُمعتين كما جاء في الأحاديث، ولنحرص كذلك على المُحافظة على صلاة الجُمعة في المساجد، وحثّ أبنائنا عليها. [٩] وليحرص كلّ منا -عباد الله- على أن لا يأتي مُتأخراً إلى الصلاة؛ بعد الخُطبة أو في أثنائها، وولا نترك هذه الآداب التي تم ذكرها؛ كالاغتسال، والتطيب، ولبس الجميل من الثياب. ولنحرص على عدم تضييع ثواب صلاة الفجر و التبكير إلى صلاة الجمعة ، بعدم السهر طويلا، وأخذ كافة الاحتياطات والأسباب لتحقيق ذلك، لقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجالِ أوَّلُها، وشَرُّها آخِرُها، وخَيْرُ صُفُوفِ النِّساءِ آخِرُها، وشَرُّها أوَّلُها). خطبة جمعة , فضل يوم الجمعة - مركز تعبير الرؤى. [١١] [٩] معشر الفضلاء، يوم الجُمعة من الأيام الفاضلة الذي خصّ الله -تعالى- به أُمّة النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، فهو يومٌ تحضره الملائكة، وتحتفي بمن يحضُره، فوو يومٌ لسماع الذكر والموعظة، والتزود فيه من التُقى والهداية التي تُنير للمُسلم حياته وتُسعدهُ في الدُنيا والآخرة، ويُكفّر فيه للمسلم ما بين الجُمعتين إذا اجتنب الكبائر، ويُشرع في هذا اليوم التقرُب إلى الله بفضائل الأعمال، وكريم الخِصال.
فهذه أوامرُ الله تعالى بأداء الجمعة، وهذه نواهيه عن تركها، هذا ترغيبه ووَعْدُه للعاملين، وهذا ترهيبه ووعِيدُه للمتكاسلين.
[٢] وهو اليوم الذي خلق الله -تعالى- فيه أبينا آدم، وأدخله الجنة، وهو اليوم الذي أخرجه منها، كما أنه اليوم الذي تقوم فيه القيامة، لقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (خَيْرُ يَومٍ طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، فيه خُلِقَ آدَمُ، وفيهِ أُدْخِلَ الجَنَّةَ، وفيهِ أُخْرِجَ مِنْها، ولا تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا في يَومِ الجُمُعَةِ). خطبة عن يوم الجمعة. [٣] [٢] وذكر ابن عابدين أن السبب في اختيار يوم الجُمعة، وتفضيله على باقي أيام الأُسبوع؛ لأنه يومُ عيدٍ للمُسلمين، وفيه ساعةُ إجابة، ويومٌ تجتمع فيه الأرواح، ويزور أهل الجنة ربهم، ويأمن فيه الميت من عذاب القبر وفتنته، ولا تُسجر فيه النار. [٤] معشر المسلمين، إنّ لصلاة الجمعة مكانة عظيمة في الإسلام، وهي من الفرائض العينيّة على جميع المُكلفين، لقوله -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ)، [٥] فهي أفضل الصلوات، ومن فضائل هذا اليوم؛ و يُسنُّ في هذا اليوم الإكثار من الصلاة على النبيّ. [٦] بالإضافة إلى أن الله -تعالى- خصه بساعةٍ يستجيبُ فيها الدُعاء، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (إنَّ في الجمعةِ لساعةٌ لا يُوافقها مؤمنٌ يسألُ اللهُ فيها شيئًا إلا أعطاهُ ، قال: فقدم علينا كعبُ الأحبارِ فقال له أبو هريرةَ: ذكر رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- ساعةً في يومِ الجمعةِ لا يُوافقها مؤمنٌ يصلي يسألُ اللهَ شيئًا إلا أعطاهُ، قال كعبٌ: صدق والذي أكرمَه إنها الساعةُ التي خلق اللهُ فيها آدمَ والتي تقومُ فيها الساعةُ)، [٧] وقال أكثر العلماء إنها في آخر ساعة بعد العصر.