والنصارى لم يعلموا، وعبدوا الله على جهالة، فهم الضالون، غلوْا في الرهبنة، وتعبدوا ببدع ما أنزل الله بها من سلطان؛ فاعتزلوا الناس في الصوامع، وانقطع رهبانهم للعبادة في الأديرة، وألزموا أنفسهم بما لم يُلزمهم الله به، مما يشق على النفس والجسد، ويغالب الفطرة البشرية ويضادها كالتبتل والامتناع عن الزواج، فلم يستطيعوا الوفاء بذلك، كما حكى الله عنهم: (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآَتَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (الحديد:27). أما الأمة الوسط: فقد علموا، وعملوا، فهم الذين أنعم الله عليهم؛ عبدوا الله وحده بما شرع ولم يعبدوه بالأهواء والبدع، ولم ينسوا نصيبهم وحظوظهم في الدنيا، مقتدين في ذلك بأسوتهم وقدوتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن دين الإسلام في شريعته وعقيدته قائم على الاعتدال والوسطية التي يقبلها الخلق أجمعون ولهذا فإنه رغم ما يتعرض له أتباعه من تسلط وضعف يظل أكثر الأديان انتشاراً، ويظل أهله أكثر الناس صموداً وتمسكاً به، لأنه الدين الحق الموائم للفطرة والعقل البشري ولا عجب في ذلك فهو دين الله تعالى الخاتم، ورسالته الخالدة الذي ارتضاه سبحانه للناس دون ما سواه: (إن الدين عند الله الإسلام).
- د. رياض بن حمد العُمري - الأستاذ المساعد بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
وتتنفس الكائنات الحية طوال الليل والنهار سواء في اليقظة أو المنام وهي عملية لازمة لاستمرار حياة الكائن الحي ، أما كيف تتم عملية تنفس الصبح فلا بد أن نشير إلى أن ثمة تغيرات كبيرة تحدث بين هواء الليل والنهار سواء في درجة الحرارة أو الضغط الجوي للهواء أو حركة الهواء الرأسية أو الأفقية على سطح الأرض. وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ | مصراوى. فالنهار عندما يتنفس فإنه يتنفس مكونات الهواء الذي يطلق عليه الغلاف الجوي أو الهوائي الذي يحيط بالكرة الأرضية من جميع الجهات. وفي أثناء النهار وبعد شروق الشمس ترسل الشمس أشعتها التي تتعرض أثناء مرورها في الغلاف الجوي للأرض لعدة عمليات قبل أن تصل إلى سطح الأرض وهذه العمليات تتمثل في عملية الامتصاص Absorption ، والتشتت Scattering ، والانعكاس Reflecting من قبل مكونات الغلاف الجوي. ويفقد عند نزوله جزءاً كبيراً يصل إلى (34%) من الإشعاع الشمسي ولا يسقط إلا (66%) من جملة الإشعاع الشمسي الساقط. وحيث إن الأرض تمتص الإشعاع الشمسي وتحوله إلى حرارة Heat فإن سطح الأرض يعد في حد ذاته جسماً مشعاً Radiating body ، فتنتقل الحرارة من سطح الأرض إلى الهواء الملامس لسطح الأرض عن طريق عملية التوصيل الحراري Conduction فيسخن الهواء ويتمدد ويتكون عليه ضغط منخفض فترتفع تيارات هوائية إلى أعلى وتعرف هذه العملية باسم التيارات الحرارية الصاعدة أو تيارات الحمل Convection.
وهنا نشير إلى الإعجاز العلمي حيث يحدث في بداية ظهور الشمس في الأفق وهو ما يسمى بالصبح أو الصباح أو النهار كما ورد في تفسير المفسرين وآرائهم حول عملية تنفس الصبح ، فالصبح عندما يتنفس فإنه يتنفس الهواء البارد الهابط النقي ( الشهيق) ، ويدفع بالهواء الدافئ الملوث نتيجة لاستقراره طوال الليل قريباً من سطح الأرض ( الزفير) وما يحمله من ثاني أكسيد الكربون الناتج عن عمليات تنفس الكائنات الحية على وجه العموم. وهذا ما يحدث تماماً في عملية تنفس الكائنات الحية ؛ لأن الهواء الذي يدخل عن طريق عملية الشهيق يكون بارداً نسبياً ، والهواء الخارج عن طريق عملية الزفير يكون هواءً حاراً اكتسب حرارته من الجسم ، هذا الهواء عندما يخرج يتمدد ويرتفع إلى أعلى ثم يهبط هواء بارد ثقيل ، وهكذا دواليك. وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ. وكما أن عملية التنفس الفسيولوجية لازمة لاستمرار حياة الكائنات الحية على وجه الأرض فإن عملية تنفس الصبح أيضاً ضرورية لاستمرار حياة هذه الكائنات الحية ؛ لأنها تسحب الهواء النقي البارد إلى سطح الأرض وتدفع بالهواء الملوث الدافئ إلى أعلى وتنشره وتفرقه على مساحات واسعة. أيضاً يجب الإشارة إلى حقيقة علمية أخرى دلّت عليها الآية ، وهي حركة الهواء الصاعدة والهابطة والأفقية الناتجة عن اختلاف الضغط الجوي الناتج عن اختلاف الحرارة حيث ثبت أن للهواء وزناً وثقلاً مما يؤدي إلى حركة الرياح من مناطق الضغط المرتفع إلى مناطق الضغط المنخفض عند سطح الأرض والعكس في طبقات الجو العليا ، ووضعت قوانين وقياسات لم يتوصل لها الباحثون إلا سنة 1644م على يد العالم تورشيللي الذي أثبت أن للهواء وزناً في حين وردت إشارات واضحة لحركة الهواء في القرآن الكريم وهي معجزة ناطقة في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
من سورة التكوير قال تعالى: "وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ(17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ(18)" فذكر الليل بلفظ عسعس والصبح بالتنفس مما يدل من فهم المعاني على الإعجاز القرآنى فى تلك الآيات... إن الرسالات التي سبقت الإسلام ظهرت جميعاً ثم اختفت، ولما اختفت وانطمست معالمها طمت الجهالة في الدنيا كلها، فكأن الليل قد أصبح ثابتاً؛ لذلك كان لابد من نهار يأتي ليذهب بهذا الليل وكلمة (عَسْعَسَ) في اللغة كلمة معبرة؛ لأنها تتكون من مقطعين هما (عس عس) العين والسين والعين والسين، ومعنى "عس" أي سار في الظلام ومنه "العسس" أي الذي يعس في الظلام ليس ماشياً على هدى فهو يمد يديه كي يتعرف بها على الأشياء. ونلاجظ أنه لم يقل "والليل إذا عس فيه الناس"، بل نسب العس إلى الليل نفسه، فالليل نفسه يعس، فكأنه لا اهتداء له، فنسب العس إلى الظرف، فإذا كان الليل في ذاته – وهو الزمن- هو الذي يعس، فكيف يكون حال الإنسان الذي يعيش فيه؟! وهذه هي بلاغة القرآن الكريم، فعندما نعطي الشيىء صفة منتهى الخفاء فهي للملتصق به أشد وأقوى. فما دام الليل هو الذي يعسعس، فيكون الذي فيه أشد عسعسة منه، وذلك كما قال الله سبحانه وتعالى ضارباً مثلاً للظلمة "أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا" سورة النور، فيده التي يعرف مكانها جيداً لا يراها، فما بالك بالشيء الذي لا يعلم موقعه جيداً، فأتى بأشد شيىء التصاقاً بالنفس ومع ذلك لا يراها.
وتتأكد أهمية هذه الظاهرة بالطريقة التي أقسم بها الله والطريقة التي حددها الله لعملية التركيب الضوئي. وإن الإشارة إلى هذه الظاهرة (التمثيل الضوئي) وتشبيهها بالتنفس دلالة على أهميتها فهي كأهمية التنفس بالنسبة إلى الإنسان فلا يمكن للأرض الاستغناء عنها فبدونها سوف تتحول الأرض إلى خراب لا حياة فيها كالقمر. كما أن استعمال (إذا) تدل على تلازم بدأ عملية التركيب الضوئي مع بدأ طلوع الشمس كما أن ترتيب كلمات الآية حيث ذكر الله طلوع ضوء الشمس أولاً ثم بدأ عملية التنفس بشكل مرتب وهذا ما يتطابق مع عملية التركيب الضوئي وإنتاج الضوء فبدون هذا الترتيب لا يمكن أن تتم عملية التنفس الحيوي للنبات أو التركيب الضوئي ثم إنتاج الأوكسجين. وهناك لفتة رائعة فكما أن الطفل حينما يولد فإنه يبدأ بأخذ شهيق أثناء البكاء للتنفس فالتنفس هو بداية لحياته كذلك النهار حينما يولد يبدأ بالتنفس. عملية التركيب الضوئي التي تقوم بها النباتات وأحياناً تقوم بها بكيريا وأحياء وحيدة الخلية تستخدم أشعة الشمس لكي تنتج سكر (كاربوهيدات) من غاز ثاني أوكسيد الكربون والماء وكنتيجة لهذه المعادلة فإن الطاقة في أشعة الشمس تخزن داخل السكر المنتج وهذه الصيغة تلخص المعادلة التي تحدث العملية التي تنتقل بها الطاقة الشمسية الغير مستخدمة إلى طاقة كيميائية قابلة للاستخدام: ®C6H12O6+6O2عملية التركيب الضوئي 6H2O+6CO2® المصدر: موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة محتوي مدفوع إعلان