و للغة العربية طريقة عجيبة في التوليد جعلت آخر هذه اللغة متصلاً بأولها في نسيج ملتحم من غير أن تذهب معالمها بعكس اللغات الأوروبية, ففي اللغة العربية نشتق المكتبة ( اسم المكان) من الكتاب و الكتابة بينما لا علاقة بين (book) التي تعني كتاب في اللغة الإنجليزية و بين ( library) التي تعني مكتبة. و من خصائص اللغة العربية أن الكلمة الواحدة فيها تحتفظ بدلالاتها المجازية و الواقعية دون التباس بين المعنيين. و لقد انفردت اللغة العربية بفن من النظم الشعري _ كما يقول العقاد _ لم تتوافر شرائطه و أدواته, و كلمة ( الشعر) في اللغة العربية مع تحريفاتها الكثيرة ترجع في اللغات السامية إلى أصلها العربي كما يروي الثقاة من اللغويين المحدثين فكلمة ( شيرو) في الأكدية القديمة و (شير) في العبرية, و ( شور) في الآرمية كلها ترتبط بمعني الإنشاد و الترنم الذي يشير إلى ( الشعر) و هي كلمة عربية الأصل. و كذلك اللغة العربية لغة مجاز, و المجاز كما هو معروف الخاصية الأولى للغة الشعر و ليس المجاز ما يشغل ذهن المتكلم إذ سرعان ما ينتقل المتلقي بذهنه إلى المعنى الأصلي, فمثلا لو قال شخص عن آخر أنه ( أسد) فسوف يفهم السامع مباشرة أن المقصود من ذلك هو الشجاعة.
خصائص اللغة العربية المملكة العربية السعودية وزارة المعارف الحمد لله الذي رفع هذه اللغة و أعلى شأنها, حيث أنزل بها خير كتبه و أفضلها, و الصلاة و السلام على أفصل الأنبياء و خاتم المرسلين, نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:- في هذا البحث سوف نتكلم بإيجاز عن اللغة العربية من حيث العناصر و الخصائص. إن لغتنا العربية هي ركن ثابت من أركان شخصيتنا, و فيحق لنا أن نفتخر بها, و نعتز بها و يجب علينا أن نذود عنها و نوليها عناية فائقة. و يتمثل واجبنا نحوها في المحافظة على سلامتها و تخليصها مما قد يشوبها من اللحن و العجمة و علينا أن لا ننظر إليها بوصفها مجموعة من الأصوات و جملة من الألفاظ والتراكيب بل يتعين عينا أن نعتبرها كائناً حياً, فنؤمن بقوتها و غزارتها و مرونتها وقدرتها على مسايرة التقدم في شتى المجالات لقد اختلف العلماء في تعريف اللغة و مفهومها, وليس هناك اتفاق شامل على مفهوم محدد للغة و يرجع سبب كثرة التعريفات و تعددها إلى ارتباط اللغة بكثير من العلوم. أول من عرف باللغة أبو الفتح عثمان بن جني في كتابه ( الخصائص), و هذا التعريف للغة يبدو أكثر إحاطة من بعض التعريفات العصرية, يقول ابن جني في تعريفه للغة ( أما حدٌّها فإنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم).
ويقول في موضع آخر:"والبديع مقصور على العرب ومن أجله فاقت لغتهم كل لغة" ( [3]). والجاحظُ يُشيرُ هنا إلى عدد من خصائص العربية منها: سعة الألفاظ، ودقة الدلالة، وجودة الأمثال، والبديع. ويقول ابن قتيبة:"وإنّما يعرف فضل القرآن من كثر نظره واتَّسع علمه وفهم مذاهب العرب وافتتانها في الأساليب، وما خصَّ الله به لغتها دون جميعِ اللُّغاتِ. فإنَّهُ ليس في جميع الأمم أمة أوتيت من العارضة، والبيان، واتساع المجال ما أوتيه العرب خصيصى من الله لما أرهصه في الرسول صلى الله عليه وسلم وأراده من إقامة الدليل على نبوته بالكتاب" ( [4]). ويقول ابن جني:"إذا تأملت حال هذه اللغة الشريفة الكريمة اللطيفة وجدت فيها من الحكمة والدقة والإرهاف والرقة ما يملك على جانب الفكر حتى يكاد يطمح به أمام غلوة السحر" ( [5]). وقال ابن جني في "الخصائص": إنَّا نسألُ علماءَ العربية مِمَّن أصله أعجمي وقد تدرَّب قبل استعرابه عن حال اللغتين فلا يجمعُ بينهما، بل لا يكاد يقبَل السؤال عن ذلك لبُعده في نفسه، وتقدُّم لطف العربية في رأيه وحِسِّه. سألتُ غير مرَّة أبا عليٍّ عن ذلك، فكان جوابه نحوًا مِمَّا حكيته" ( [6]). وقال المطران يوسف داود الموصلي:"من خواصِّ اللُّغةِ العربيَّةِ وفضائلها أنَّها أقربُ سائر اللغات إلى قواعد المنطق، حيثُ إنَّ عباراتها سلسةٌ طبيعيَّةٌ, يهُونُ على النَّاطقِ صافي الفكرِ أن يُعبِّرَ فيها عمَّا يريدُ؛ من دون تصنُّع وتكلُّـف" ( [7]).
وأما المنهج الذی توخته العربیة في التعامل مع الألفاظ الأجنبیــة والأعجمیــة في تعریبها فإنه یقوم كما یلي: 1- التحویل من حروف الدخیل بطریقة النـقص منها أو الزیادة فيها، كقول العرب: الدرهم وهو في أصله درم، وبرنامج وهو برنامه. 2- إبدال السین من الشین، واللام من الزای، كقولهم: نیسابور وهو بالفارسیة نیشابور، وإسماعیل وهو إشمائیل. 3- التعریب بطـریقـة الجمع بین كلمتین مركبتین بكلمــة واحـدة مثل «جاموس» وهومعرب من «كاو» بمعنی بقرة، و«میش» بمعنی مختلط، وكذلك «سكباج» وهو مركب من «سك» أي خل و «با» أي طعام. 4- تغییر الحروف الأعجمیة وفقا للأوزان العربیة، كقولهم «فردوس» وهو في أصله «برادایس»، و «كعك» وهو تعریب «كاك». 5- ربما یبدل الكاف جیمــا والجیم كافا أو قافا لقرب أحدهما إلی الاخر، كـقولهم: «جورب» وهو في الأصل «كورب»، و «كربج» وهو«قربق»(8). رنيم عادل الخطابي
ومن سنن العرب في تولید الألفاظ والمعاني كذلك «الاشتـقاق الأكبر» وهوأن یؤخذ أصل من الأصول الثلاثیة، فيعقد علیه وعلی تصاریفه الستـة معنی عامـا مشتركا، ومن أمثلة ذلك مـادة «قول» فتـقلیباتهـا: قلو، وَقَل، وَلَق، لقو، لوق، وتأتی كلها بمعنی القـوة والشدة، و «سمل» وتـقلیباتها: سلم، مسل، ملس، لمس، لسم، وتأتي كلها بمعنی الإصحاب والملاینـة(3).