قال أعدلهم: ألم أقل لكم هلا تستثنون وتقولون: إن شاء الله؟ قالوا بعد أن عادوا إلى رشدهم: تنزَّه الله ربنا عن الظلم فيما أصابنا, بل نحن كنا الظالمين لأنفسنا بترك الاستثناء وقصدنا السيِّئ. فأقبل بعضهم على بعض, يلوم كل منهم الآخر على تركهم الاستثناء وعلى قصدهم السيِّئ, قالوا: يا ويلنا إنَّا كنا متجاوزين الحد في منعنا الفقراء ومخالفة أمر الله، عسى ربنا أن يعطينا أفضل من حديقتنا; بسبب توبتنا واعترافنا بخطيئتنا. إنا إلى ربنا وحده راغبون, راجون العفو, طالبون الخير. مثل ذلك العقاب الذي عاقبنا به أهل الحديقة يكون عقابنا في الدنيا لكل مَن خالف أمر الله, وبخل بما آتاه الله من النعم فلم يؤدِّ حق الله فيها, ولَعذاب الآخرة أعظم وأشد مِن عذاب الدنيا, لو كانوا يعلمون لانزجروا عن كل سبب يوجب العقاب. قران مصور سورة القلم لحذيفة. لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ( 34) إن الذين اتقوا عقاب الله بفعل ما أمرهم به وتَرْك ما نهاهم عنه, لهم عند ربهم في الآخرة جنات فيها النعيم المقيم. أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ( 35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ( 36) أفنجعل الخاضعين لله بالطاعة كالكافرين؟ ما لكم كيف حكمتم هذا الحكم الجائر، فساويتم بينهم في الثواب؟ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ ( 37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ ( 38) أم لكم كتاب منزل من السماء تجدون فيه المطيع كالعاصي, فأنتم تدرسون فيه ما تقولون؟ إن لكم في هذا الكتاب إذًا ما تشتهون, ليس لكم ذلك.
خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ( 43) منكسرة أبصارهم لا يرفعونها، تغشاهم ذلة شديدة مِن عذاب الله, وقد كانوا في الدنيا يُدْعَون إلى الصلاة لله وعبادته, وهم أصحَّاء قادرون عليها فلا يسجدون; تعظُّمًا واستكبارًا. فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ( 44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ( 45) فذرني - أيها الرسول- ومَن يكذِّب بهذا القرآن, فإن عليَّ جزاءهم والانتقام منهم, سنمدهم بالأموال والأولاد والنعم؛ استدراجًا لهم من حيث لا يشعرون أنه سبب لإهلاكهم, وأُمهلهم وأُطيل أعمارهم; ليزدادوا إثمًا. إن كيدي بأهل الكفر قويٌّ شديد.
وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ( 9) تمنَّوا وأحبوا لو تلاينهم، وتصانعهم على بعض ما هم عليه، فيلينون لك. قران سورة القلم مكتوبه كامله. وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ ( 10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ( 11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ( 12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ ( 13) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ ( 14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ( 15) ولا تطع - أيها الرسول- كلَّ إنسانٍ كثير الحلف كذاب حقير، مغتاب للناس، يمشي بينهم بالنميمة، وينقل حديث بعضهم إلى بعض على وجه الإفساد بينهم، بخيل بالمال ضنين به عن الحق، شديد المنع للخير، متجاوز حدَّه في العدوان على الناس وتناول المحرمات، كثير الآثام، شديد في كفره، فاحش لئيم، منسوب لغير أبيه. ومن أجل أنه كان صاحب مال وبنين طغى وتكبر عن الحق، فإذا قرأ عليه أحد آيات القرآن كذَّب بها، وقال: هذا أباطيل الأولين وخرافاتهم. وهذه الآيات وإن نزلت في بعض المشركين كالوليد بن المغيرة، إلا أن فيها تحذيرًا للمسلم من موافقة من اتصف بهذه الصفات الذميمة. سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ ( 16) سنجعل على أنفه علامة لازمة لا تفارقه عقوبة له; ليكون مفتضحًا بها أمام الناس.
قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) وقوله: ( قَالَ أَوْسَطُهُمْ) يعني: أعدلهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال؛ ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( قَالَ أَوْسَطُهُمْ) قال: أعدلهم، ويقال: قال خيرهم، وقال في البقرة: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا قال: الوسط: العدل. حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( قَالَ أَوْسَطُهُمْ) يقول: أعدلهم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الفرات بن خلاد، عن سفيان، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد ( قَالَ أَوْسَطُهُمْ): أعدلهم. حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( قَالَ أَوْسَطُهُمْ) قال: أعدلهم. قران كريم سوره القلم. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد ( قَالَ أَوْسَطُهُمْ) قال: أعدلهم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( قَالَ أَوْسَطُهُمْ) أي أعدلهم قولا وكان أسرع القوم فزعا، وأحسنهم رَجْعة ( أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ).