ورغم ارتباط كل تهويدة بثقافة الشعوب التي أنجبتها بشكل وثيق، إلا أن التهويدات الشعبية المتداولة حول العالم لها ثيمات متشابهة؛ فكلمات بعض التهويدات تبدو اختزالاً وتبسيطاً لدورة الحياة يكسوهما تفاؤل بمستقبل مشرق؛ وهو ما يمكن التماسه بإحدى التهويدات السومرية الموثقة، التي يرد فيها: "سأجلب زوجة لطفلي، وستلد له ولداً رائعاً، وتسهر الخادمة الحلوة على طفله البديع وترضع الطفل من ثديها". كليب : دوها يادوها - قناة تغاريد ~ - YouTube. وذات الثيمة نلمحها في التهويدة السودانية "بابا وماما حبوني"، التي تتميز بأن الأم تتقمص دور الطفل فيها لتغني على لسانه، ويرد فيها: "ماما وبابا حبوني وأنا حبيتهم بعيوني. حصاني كبير وبجره شديد، وأنا من فوقه كأني أمير، أخش الجامعة وأبقى وزير". وبعض التهويدات تتمحور كلماتها حول حراسة الطفل أثناء النوم، وفي الغالب هذا النوع من التهويدات يبدو كخطاب موجه للطفل مباشرةً لطمأنته أثناء النوم؛ ما يمكن التماسه بالتهويدة الإنكليزية Brahms Lullaby، التي يرد فيها: "ملائكة مشرقة بجانبك يا حبيبي، سيحرسونك حتى ترتاح، وستستيقظ على صدري". وذات الثيمة نلتمسها بالتهويدة الشامية الفلكلورية "يلا تنام"، التي يرد فيها: "يلا تنام لادبحلك عداك".
نشر في 24 أبريل 2020 الساعة 4 و 00 دقيقة الغناء جزء من حضارة الشعوب وتاريخها الثقافي الذي تتوارثه الأجيال، يحمل مزيجا بين الكلمات والألحان التي ترتبط بعادات وثقافات البلاد وتعبر عنها. وتعتبر أغنية ما قبل النوم طقسا موسيقيا تمارسه الشعوب كل بطريقته، وهي قطعة موسيقية تغنيها الأم حين تهدهد طفلها لتهيئته للنوم، تعرف بالتهويدة (Lullaby) أو أغنية المهد (Cradle song). ولكل أم أغنية خاصة بها فريدة من نوعها، تختلط فيها مشاعر الحب والحنان وهي تضم صغيرها بين ذراعيها، لتترك داخله شعورا بالطمأنينة والأمان، فيغفو تاركا خلفه علامات التعب والإنهاك بعد يوم طويل. دوها ي دوها و الكعبه بانوها و زمزم شربوها سيدي سافر مكه / و المفتاح عند النجار - YouTube. تراث مصر وبلاد الشام وتختلف أغاني المهد من شعب لآخر على الرغم من تشابه موضوعاتها في بعض الأحيان، ويكمن الاختلاف في بعض اللهجات، إذ تغني الأمهات المصريات الأغنية الشهيرة "نام يا حبيبي نام.. وأدبحلك جوزين حمام"، كما يغني بعضهن "ننه ننه هو" مع مد حرف الواو، لهدهدة الطفل وتحريكه برفق، والغريب أن تلك الأغنية التي لا تُعرف معانيها الحرفية، وقد انتشرت قبل عقود رغم بساطة كلماتها وأصبحت سرا بين الأم وطفلها وقت نومه. وفي لبنان كانت أغنية فيروز ترنيمة الأم لطفلها: "يلا تنام ريما يلا يجيها النوم.. يلا تحب الصلاة يلا تحب الصوم.. ياللا تجيها العوافي كل يوم بيوم"، لتربط الأم صغيرها بحب الصلاة والصوم، لكن المقطع التالي من الأغنية هو الذي اشتهر أكثر وانتشر في بلاد المشرق العربي، "يلا تنام يلا تنام وادبحلا طير الحمام روح يا حمام لا تصدق بضحك على ريما تاتنام"، ويمكن تغيير ريما باسم أي طفل.
فأناشيد الأطفال يجب أن تكون صادقة في التعبير عن مشاعر الأطفال وحاجاتهم ؛فضلاً عن تحسس الكبار لحاجات أطفالهم، ومحاولة فهم نفسياتهم حتى تلامس واقع الطفل وتحاكي حاجاته وقدراته ورغباته، فالصورة الواقعية تظل أقرب إلى عالمه وأقدر على التأثير فيه من الصورة الخيالية إذا ما كانت مستمدة من بيئته وأسرته ومجتمعه، فقلب الطفل لا يقبل أن يتعلق بأشياء لا أصل لها، فهو يستحضر الواقع بالخيال ويظل الواقع السبيل القوي لتحقيق تطلعات الطفولة وأحلامها.
والأهم أنها تملأ فراغ روحي وتُشعر الطفل بالفرح والاكتفاء النفسي، حتى أنه أحيانًا يردد بينه وبين نفسه هذه الأهازيج والأناشيد ويصفق، وهذا الترديد كفيل بترسيخ المعنى والمفهوم داخل هذه الأهزوجة أو النشيد. ربما كان وعي جداتنا وأمهاتنا بالأهمية لهذه الأنشودة أكبر، فالمتأمل في الأهازيج التي كن يرددنها على أسماع أطفالهن يعرف تلك القيم التي يحاولن ترسيخها في أذهان الصغار.. ولعلي أدرج بعض النماذج التي استدعيتها من الذاكرة.. ففي الأهزوجة التي ذكرتها أعلاه غرس لمبادئ الدين. وهذه الأهزوجة تقال للأولاد (…فلان) ياحبيب أمه يشيل الهيل في كمه يقهوي به بني عمه غرس لقيمة الكرم وهذه الأهزوجة مشتركة ريحك ريح التفاح وريح المسك لا فاح وريح الجنة الخضراء لا هبت بالأرواح الكلمات تفسر معانيها.. وهذه تقال للفتيات (.. فلانه) دللوها وعلى الأشقر ركبوها ولمكة ودوها كلمات معبرة ومعان مفهومة بسيطة وهذه الأهزوجة.. صباح الخير والخيرة يصبح ذا الزنيفيرة صبحك من ربحك صبحك بتينة.. تفاؤل واستهلال يوم الطفل بالفرح.. وغالبًا يصاحب هذه الأهازيج لحن رقيق يزفه التصفيق حتى ينتشي الطفل ويتماهى معه باهتزازات راقصة وضحكات متبادلة مع الأم غالبًا.