قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ (34) ( إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها). قال ابن عباس: أي إذا دخلوا بلدا عنوة أفسدوه ، أي: خربوه ، ( وجعلوا أعزة أهلها أذلة) أي: وقصدوا من فيها من الولاة والجنود ، فأهانوهم غاية الهوان ، إما بالقتل أو بالأسر. قال ابن عباس: قالت بلقيس: ( إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة) ، قال الرب ، عز وجل ( وكذلك يفعلون)
فالتقدير: مرسلة إليهم كتابا ووفدا مصحوبا بهدية; إذ لا بد أن يكون الوفد مصحوبا بكتاب تجيب به كتاب سليمان ، فإن الجواب عن الكتاب عادة قديمة ، وهو من سنن المسلمين ، وعد من حق المسلم على المسلم قال القرطبي: إذا ورد على إنسان في كتاب بالتحية أو نحوها ينبغي أن يرد الجواب; لأن الكتاب من الغائب كالسلام من الحاضر. وروي عن ابن عباس أنه كان يرى رد الكتاب واجبا كرد السلام اهـ. ولم أقف على حكم فيه من مذاهب الفقهاء. والظاهر أن الجواب إن كان عن كتاب مشتمل على صيغة السلام أن يكون رد الجواب واجبا وأن يشتمل على رد السلام; لأن الرد بالكتابة يقاس على الرد بالكلام مع إلغاء فارق ما في المكالمة من المواجهة التي يكون ترك الرد معها أقرب لإلقاء العداوة. ولم أر في كتب النبيء صلى الله عليه وسلم جوابا عن كتاب إلا جوابه عن كتاب مسيلمة والسلام على من اتبع الهدى. إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها. [ ص: 267] والهدية: فعيلة من أهدى: فالهدية ما يعطى لقصد التقرب والتحبب ، والجمع هدايا على اللغة الفصحى ، وهي لغة سفلى معد. وأصل هدايا: هدائي بهمزة بعد ألف الجمع ثم ياء; لأن فعيلة يجمع على فعائل بإبدال ياء فعيلة همزة; لأنها حرف وقع في الجمع بعد حرف مد فلما وجدوا الضمة في حالة الرفع ثقيلة على الياء سكنوا الياء طردا للباب ثم قلبوا الياء الساكنة ألفا للخفة فوقعت الهمزة بين ألفين فثقلت فقلبوها ياء ؛ لأنها مفتوحة وهي أخف ، وأما لغة سفلى معد فيقولون: هداوى بقلب الهمزة التي بين الألفين واوا ؛ لأنها أخت الياء وكلتاهما أخت الهمزة.
فلما ولي الحكم قبضوا عليه وسجنوه مع صاحب له, وكانت بطانة الخليفة حافلة بالعلماء من أصحاب الحديث, فأفتوه بقتل غيلان وصاحبه, فأمر به وبصاحبه فرفعا على الصليب عند "باب كيسان" بدمشق, ثم قطعت أيديهما, ثم أرجلهما, ثم لسانيهما حتى فارقا الحياة. ولما احتُضِر أبو بكر قال لعائشة: يا بنية إنا ولينا أمر المسلمين فلم نأخذ لنا دينارا ولا درهما, ولكننا أكلنا من جريش طعامهم في بطوننا, ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا, وإنه لم يبق عندنا من فيء المسلمين قليل ولا كثير, إلا هذا العبد الحبشي, وهذا البعير الناضح, وجرد هذه القطيفة, فإذا مت فابعثي بهم إلى عمر". ان الملوك اذا دخلوا قرية سورة. واسمع رأي عمر في ما يحل له من مال الأمة, يقول: يحل لى حُلتان حلة في الشتاء, وحلة في القيظ, وما أحج عليه واعتمر, وقوتي وقوت أهلي كقوت رجل من قريش ليس بأغناهم ولا بأفقرهم, ثم أنا بعد, رجل من المسلمين يصيبني ما أصابهم". ومرض عمر ووصفوا له شربة عسل يتداوى بها, وكان في بيت المال قدر منه, فصعد عمر على المنبر وقال للناس: إن أذنتم لي فيها أخذتها, وإلا فهي علىّ حرام, فأذن الناس له. وعمر- رضي الله عنه -هو الذي فرض نصيبا مقسوما من بيت المال لكل فرد من أفراد الأمة.
وإن شئت أن تعرف نظافة اليد, فليكن هذا, وإلا فَدَعْ. وذلك هو جواب من يسأل عن أسباب انحطاط المسلمين وهوانهم على أنفسهم والناس.
يقول تعالى ذكره: قالت صاحبة سبأ للملأ من قومها, إذ عرضوا عليها أنفسهم لقتال سليمان, إن أمرتهم بذلك: (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً) عنوة وغلبة ( أفْسَدُوها) يقول: خرّبوها (وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً) وذلك باستعبادهم الأحرار, واسترقاقهم إياهم; وتناهى الخبر منها عن الملوك في هذا الموضع فقال الله: (وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) يقول تعالى ذكره: وكما قالت صاحبة سبأ تفعل الملوك, إذا دخلوا قرية عنوة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. قالت ان الملوك اذا دخلوا قرية افسدوها. *ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا أبو بكر, في قوله: (وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً) قال أبو بكر: هذا عنوة. حدثنا أبو هشام الرفاعي, قال: ثنا أبو بكر, قال: ثنا الأعمش, عن مسلم, عن ابن عباس, في قوله: (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا) قال: إذا دخلوها عنوة خرّبوها. حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال ابن عباس: (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً) قال ابن عباس: يقول الله: (وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ).
( رواه أحمد). كذلك نعم الحكم الصالح للرجل الصالح. وهو شر في يد الرجل الفاسد لأنه سيكون في يده أداة شر وفساد في الحياة كلها.