ولأن الفراق كاو وغير قابل للمحو، تستحضر الشاعرة بعضا من لحظات غياب الفقيد عن بهجات الحياة، بقصد إحياء وبعث ظلال الألم والغور في طبقاتها: " زارنا الفرح هذا المساء بحث عن عينيك ثم انزوى وحيدا " هكذا تلعب الشاعرة بمكونات الصورة، ضمن مكيدة شعرية، في أفق أنسنة الفرح بانزوائه وحيدا لغياب الأب، ومن ثم، الانتصار للحزن الفائض عن الحاجة.
إيليا أبو ماضي شاعر عربي لبناني يعتبر من أهم شعراء المهجر في أوائل القرن العشرين. يعتبر إيليا من الشعراء المهجريين الذين تفرغوا للأدب والصحافة، ويلاحظ غلبة الاتجاه الإنساني على سائر أشعاره، ولاسيما الشعر الذي قاله في ظل الرابطة القلمية وتأثر فيه بمدرسة جبران.
قصيدة: رجوت الرحيل. ◄ مكتبة منهل الثقافة التربوية // قصيدة: رجوت الرحيل // الشاعرة: هدية إبراهيم شطيفي. رجوت بأن أرحل قبيل أحبتي •=• ولكن أمر الله لابد ماضيا وحل قضاء الله والكل ملكه •=• ونحن إليه نعود والقلب راضيا فلا خير في سخط يحل نفوسنا •=• ستمضي بنا الأقدار والكل نائيا ۞ ديوان "عناقيد الحب": صدر حديثاً للشاعرة التربوية هدية إبراهيم شطيفي. أزرار التواصل الاجتماعي
بيد أنه خارج هذه البنية اللغوية المسيجة، وبعد قراءتنا وومصافحتنا للنصوص يمكن الوقوف على المكون التحويلي التالي: هذه أشعار لذات شاعرة عنيدة و موغلة في الحياة، ضدا في محوها وتعريتها من أفراحها وأحلامها. شعر عن الرحيل والوداع. وهذا من شأنه إثارة فضول المتلقي للبحث عن الأسباب المتحكمة في هذه التراتيل وهذه التعرية ل" ملحاء" الشاعرة. أول ما يثير انتباه القارئ لديوان " تراتيل الملحاء "، حضور الذات الشاعرة المخاطبة لنفسها وللآخر، تساوقا مع تيمة الرحيل التي تهيمن على أكثرية النصوص، ويدل على ذلك مفردات وعبارات تروج لهذا الرحيل " أرحل، تراحيل، الغياب، نلوح،رحيل، حقيبة سفر، رحالي،وداع،راحلة، صفير القطار.. " وموضوعة الرحيل هاته، موضوعة أساسية تنبني عليها نصوص الديوان، وتخص رحيل الأب الذي كان من نصيبه الإهداء:" إليك أبي، حبيبا يهفو أبدا إليه الجناح "، كما تخص الرحيل في الذات، ثم الرحيل عن الأمكنة وتوديعها. وعطفا على ما سبق، بغدو رحيل الأب نارا كاوية، وهو ما يوحي به عنوان القصيدة الخامسة في الديوان " جمر الفراق " الدال بامتياز على مسماه: " تطوف بحزني الشوارع لا دمع يستوعبني لا تباريح أودع قلبي رحيلك جمرا وذكراك التسكنني ريح" هكذا تغدو اللحظة الشعرية اللاسعة خالقة لطقوس أوجاعها، لتسكعاتها، لأمكنتها، ولفائض قيمة احتراقها الذي تؤججه الريح، وينجح تماسها مع الجمير في الرفع من من مستوى اشتعالات لوعة الرحيل وتوطينها.