[٢] شرح حديث من رأى منكم منكرًا فليغيره فعن أبي سعيدٍ الخدريِّ قالَ: [أخرجَ مروانُ المنبرَ في يومِ عيدٍ فبدأَ بالخطبةِ قبلَ الصَّلاةِ فقامَ رجلٌ فقالَ يا مروانُ خالفتَ السُّنَّةَ أخرجتَ المنبرَ في يومِ عيدٍ ولم يَكن يُخرَجُ فيهِ وبدأتَ بالخطبةِ قبلَ الصَّلاةِ فقالَ أبو سعيدٍ الخدريِّ من هذا قالوا فلانُ بنُ فلانٍ فقالَ أمَّا هذا فقد قضى ما عليْهِ سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يقولُ من رأى منْكرًا فاستطاعَ أن يغيِّرَهُ بيدِهِ فليغيِّرْهُ بيدِهِ فإن لم يستطع فبلسانِهِ فإن لم يستطع فبقلبِهِ وذلِكَ أضعفُ الإيمانِ] [٣]. فقد جعل الله تعالى أمة الإسلام خير الأمم وأشرفها، وفضلها على سائر الأمم الأخرى، لأنها تأمر بالمعروف وتدعو إلى فعل الخيرات والابتعاد عن المنكرات، فإذا توفرت تلك الخصال في مجتمع تحول إلى مجتمع فاضل أفراده يسعون إلى الخير فيما بينهم، وفي هذا الحديث قصة الوالي مروان؛ وهو ابن الحكم وكان واليًا على المدينة المنورة، عندما قدّم الخطبة يوم العيد قبل أداء صلاة العيد ، فأنكر عليه أحد الرجال الحاضرين ذلك عليه بقوله: "الصَّلاةُ قبلَ الخُطبةِ! "، وذلك لأن الأصل البدء بالصلاة ثم إلحاقها بخطبة العيد، فقال له مروان بن الحكم مبررًا ما فعله بأن الناس سيتركون سماع الخطبة بعد الصلاة لاستعجالهم، فقال أبو سعيد الخدري: "أمَّا هذا فقدْ قَضى ما عليه"؛ أي أن هذا الرجل الناهي لمروان على فعله قد أدى واجبه بالنهي عن المنكر.
تلخيص الدرس الرابع والثلاثون من الأربعين النووية عَنْ أَبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: (( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ, فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ, وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإيمَانِ)). رواه مسلِمٌ. العناصر: • تخريج الحديث • موضوع الحديث • قصة الحديث • منزلة الحديث • الشرح الإجمالي للحديث • شرح قوله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرًا... " • معنى قوله (رأى) • أنواع الرؤية • معنى قوله (منكرًا) • ضابط إنكار المنكر. • مسألة: هل وجوب الإنكار متعلق بالانتفاع؟ • مسألة: ما الشروط الواجب توفرها في المنكِر؟ • معنى قوله (فليغيره) • مراتب تغيير المنكر • معنى قوله: (فليغيره بيده) • مسألة: من يقوم بإنكار المنكر اليد. • معنى قوله: (فإن لم يستطع فبلسانه) • معنى قوله: (فإن لم يستطع فبقلبه) • معنى قوله: (وذلك أضعف الإيمان) • مسألة: ما حكم تغيير المنكر؟ • أحوال المنكر عليهم بعد الإنكار. • دوافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. من رأى منكم منكرا فليغيره بيده. • فوائد من الحديث. التلخيص: • تخريج الحديث: - هذا الحديث خرّجه مسلم من رواية قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي سعيد.
متن الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم. الشرح ترتبط خيرية هذه الأمة ارتباطا وثيقا بدعوتها للحق ، وحمايتها للدين ، ومحاربتها للباطل ؛ ذلك أن قيامها بهذا الواجب يحقق لها التمكين في الأرض ، ورفع راية التوحيد ، وتحكيم شرع الله ودينه ، وهذا هو ما يميزها عن غيرها من الأمم ، ويجعل لها من المكانة ما ليس لغيرها ، ولذلك امتدحها الله تعالى في كتابه العزيز حين قال: { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} ( آل عمران: 110). وعلاوة على ذلك فإن في أداء هذا الواجب الرباني حماية لسفينة المجتمع من الغرق ، وحماية لصرحه من التصدع ، وحماية لهويته من الانحلال ، وإبقاء لسموه ورفعته ، وسببا للنصر على الأعداء والتمكين في الأرض ، والنجاة من عذاب الله وعقابه. من راي منكم منكرا فليغيره بيده. ولخطورة هذه القضية وأهميتها ؛ ينبغي علينا أن نعرف طبيعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ونعرف شروطه ومسائله المتعلقة به ؛ ومن هنا جاء هذا الحديث ليسهم في تكوين التصور الواضح تجاه هذه القضية ، ويبين لنا كيفية التعامل مع المنكر حين رؤيته.
يجب على المسلم أن يتذكر الأنبياء والرسل -وهم أكمل الناس- في جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورغم ذلك فقد واجهوا الصد والعناد وعدم الإجابة من أقوامهم، كما أنّ منهم من لم يستجب له أحد، لذا يجب على المسلم الصبر والاستمرار بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لما فيه من صلاح للمجتمع والأمة بأكملها، والثواب والأجر العظيم لمن يسعى به [١].
فإذا عجز عن التغيير باليد ، فإنه ينتقل إلى الإنكار باللسان ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( فإن لم يستطع فبلسانه) ، فيذكّر العاصي بالله ، ويخوّفه من عقابه ، على الوجه الذي يراه مناسبا لطبيعة هذه المعصية وطبيعة صاحبها. فقد يكون التلميح كافيا - أحيانا - في هذا الباب ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ؟) ، وقد يقتضي المقام التصريح والتعنيف ، ولهذا جاءت في السنة أحداث ومواقف كان الإنكار فيها علناً ، كإنكار النبي صلى الله عليه وسلم على أسامة بن زيد - رضي الله عنه - شفاعته في حد من حدود الله ، وإنكاره على من لبس خاتم الذهب من الرجال ، وغير ذلك مما تقتضي المصلحة إظهاره أمام الملأ. وإن عجز القائم بالإنكار عن إبداء نكيره فعلا وقولا ، فلا أقل من إنكار المنكر بالقلب ، وهذه هي المرتبة الثالثة ، وهي واجبة على كل أحد ، ولا يُعذر شخص بتركها ؛ لأنها مسألة قلبيّة لا يُتصوّر الإكراه على تركها ، أو العجز عن فعلها ، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: " إن أول ما تغلبون عليه من الجهاد: جهادٌ بأيديكم ، ثم الجهاد بألسنتكم ، ثم الجهاد بقلوبكم ، فمتى لم يعرف قلبه المعروف وينكر قلبه المنكر انتكس ".
ولذلك فإن أصحاب السبت من بني إسرائيل أولئك الذين احتالوا على صيد السمك في القرية التي كانت حاضرة البحر، لما وعظهم الواعظون وذكروهم بالله ، وقالت طائفة ساكتة يائسة من قبولهم ومن صلاحهم: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الأعراف:164]، أي: إنّ وعظنا هو إعذار إلى الله -تبارك وتعالى- ومن أجل المعذرة، وهذا كقوله تعالى: وَقُولُواْ حِطَّةٌ [البقرة:85] أي: مسألتنا حطة، فهنا "معذرة إلى ربكم" أي: أن نصحنا من أجل المعذرة. ولهذا لما ذكر الله النتيجة بعد ذلك قال: أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ [الأعراف:165]، وسكت عن الطائفة الساكتة، فبعض السلف قال: إنهم نجوا، وبعضهم قال: إنهم هلكوا، والذين قالوا: إنهم نجوا قالوا: إنه سكت عنهم فلم ينوِّه بذكرهم، أو يخبر عن نجاتهم؛ لقلة الاكتراث بهم، فهم لا يستحقون هذا، وكان عكرمة يقول: "ما زلت بابن عباس حتى أظهرت له أنهم نجوا"، أي: حتى قَبلَ ذلك وأقر به، وأقنعته بقولي هذا. فالمقصود أن الإنسان لا تبرأ ذمته إن لم يأمر وينهى، حتى لو لم يرجُ نفع هذا المأمور والمنهي.
وإنكار المنكر باليد من قبل ولي الأمر صاحب السلطة لقوته وهيبته، والأب على أولاده، والسيد على عبده، وهذا الإنكار هو أقوى درجات الإنكار؛ لأنه إزالة للمنكر بالكلية وزجر عنه. ولا يكون هذا التغيير ممن لا يملك سلطةً؛ لترتب المفاسد العظيمة على ذلك؛ إذ قد ينكر منكراً فيقع فيما هو أنكر، وليس ذلك من الحكمة. وقد علق الإنكار باليد على الاستطاعة، وهذه الدرجة الأولى لولي الأمر في الولاية العامة والخاصة. • معنى قوله: (فإن لم يستطع فبلسانه) "فإن لم يستطع فبلسانه": هذه الدرجة الثانية من درجات تغيير المنكر، وهو التغيير باللسان عند من لا يملك سلطةً، وهذا التغيير بالقول من تذكير وترغيب وترهيب، وهو في مقدور أهل العلم الذين هم أئمة العقول والأفكار، ولا يعذر عنه إلا من لا يملك القدرة الكلامية، أو لا يستطيع التغيير لوجود موانع تمنعه، وحاجة الناس لهذه المرتبة شديدة جدًا؛ لكثرة الأخطاء، ووجود الغفلة وقسوة القلوب وكثرة الفتن وانغماس الناس في الدنيا ونسيان الآخرة. • معنى قوله: (فإن لم يستطع فبقلبه) "فإن لم يستطع فبقلبه": هذه الدرجة الثالثة لتغيير المنكر، وهي واجبة على الجميع؛ إذ هي تغيير داخلي لا يتعدى صاحبها، وهي تألم القلب لهذا المنكر وكراهيته له ولأهله وتمني زواله والدعاء لصاحبه بالسلامة منه، وهذه أضعف درجة؛ إذ ليس بعدها شيء من الإيمان.