القول في تأويل قوله تعالى: ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ( 59)) يقول تعالى ذكره: فحدث من بعد هؤلاء الذين ذكرت من الأنبياء الذين أنعمت عليهم ، ووصفت صفتهم في هذه السورة ، خلف سوء في الأرض أضاعوا الصلاة. ثم اختلف أهل التأويل في صفة إضاعتهم الصلاة ، فقال بعضهم: كانت إضاعتهموها تأخيرهم إياها عن مواقيتها ، وتضييعهم أوقاتها. ذكر من قال ذلك: حدثني علي بن سعد الكندي ، قال: ثنا عيسى بن يونس ، عن الأوزاعي ، عن موسى بن سليمان ، عن القاسم بن مخيمرة ، في قوله ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة) قال: إنما أضاعوا المواقيت ، ولو كان تركا كان كفرا. حدثنا إسحاق بن زيد الخطابي ، قال: ثنا الفريابي ، عن الأوزاعي ، عن القاسم بن مخيمرة ، نحوه. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة مريم - الآية 59. حدثنا عبد الكريم بن أبي عمير ، قال: ثني الوليد بن مسلم ، عن أبي عمرو ، عن القاسم بن مخيمرة ، قال: أضاعوا المواقيت ، ولو تركوها لصاروا بتركها كفارا. حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال: ثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن القاسم ، نحوه.
(p-١٠١)وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ والطَّبَرانِيُّ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ في البَعْثِ عَنْ أبِي أُمامَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَوْ أنَّ صَخْرَةً زِنَةَ عَشْرِ عُشَراواتٍ قُذِفَ بِها مِن شَفِيرِ جَهَنَّمَ ما بَلَغَتْ قَعْرَها سَبْعِينَ خَرِيفًا، ثُمَّ تَنْتَهِي إلى غَيٍّ وأثامٍ قُلْتُ: ما غَيٌّ وأثامٌ؟ قالَ: نَهْرانِ في أسْفَلِ جَهَنَّمَ يَسِيلُ فِيها صَدِيدُ أهْلِ النّارِ، وهُما اللَّذانِ ذَكَرَ اللَّهُ في كِتابِهِ: ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾، ﴿ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أثامًا﴾ [الفرقان: ٦٨] [ الفُرْقانِ»: ٦٨]. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ مِن طَرِيقِ نَهْشَلٍ عَنِ الضَّحّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، «عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: الغَيُّ وادٍ في جَهَنَّمَ». التفسير الصوتي [مريم / 59] - الموقع الرسمي للشيخ أ. د. خالد السبت. وأخْرَجَ البُخارِيُّ في "تارِيخِهِ" عَنْ عائِشَةَ في قَوْلِهِ: ﴿غَيًّا﴾ قالَتْ: نَهْرٌ في جَهَنَّمَ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ شُفَيِّ بْنِ ماتِعٍ قالَ: إنَّ في جَهَنَّمَ وادِيًا يُسَمّى: غَيًّا، يَسِيلُ دَمًا وقَيْحًا، فَهو لِمَن خُلِقَ لَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ قالَ: شَرًّا: ﴿إلا مَن تابَ﴾ قالَ: مِن ذَنْبِهِ: ﴿وآمَنَ﴾ قالَ: بِرَبِّهِ: ﴿وعَمِلَ (p-١٠٢)صالِحًا﴾ قالَ: بَيْنَهُ وبَيْنَ اللَّهِ.
و عن ابن مسعود، أنه قيل له: إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ و عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ و عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ فقال ابن مسعود رضي الله عنه: على مواقيتها ، قالوا: ما كنا نرى ذلك إلا على الترك، قال: ذاك الكفر، و قد قال مسروق: لا يحافظ أحد على الصلوات الخمس، فيكتب من الغافلين، وفي إفراطهنّ الهلكة، وإفراطهنّ: إضاعتهنّ عن وقتهنّ. و يقول الطبري: حدثني الحارث، قال: ثنا الأشيب، قال: ثنا شريك، عن أبي تميم بن مهاجر في قول الله: ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ) قال: هم في هذه الأمة يتراكبون تراكب الأنعام والحمر في الطرق، لا يخافون الله في السماء، ولا يستحيون الناس في الأرض.
لا تصغِ إِليهِم وهُم يُحدِّثُونك عن إِنتمائهِم الدِّيني والمذهَبي وعن تضحياتِ أَحزابهِم في الزَّمنِ الماضي، وعن التَّأسيس والمُؤَسِّس، وعن السِّيرة والمَسيرة، وعن نضالاتهِموجهادهِم وبطُولاتهِم، وإِنَّما إِصغِ إِليهِم عندما يُحدِّثونكَ عن إِنجازاتهِم فقط، ثُمَّ قارِنها بالواقعِ الذي تعيشهُ، هل هيَ فعلاً مَوجُودةٌ تلمِسها يوميّاً أَنتَ وأُسرتَك وأَولادَك وأَبناءمحلَّتكَ ومدينتكَ، بالتَّعليم والصحَّة والخدمات والطُّرق والجسُور والبيئة؟! أَم أَنَّها مُجرَّد مشاريع وهميَّة وهمبلات دِعائيَّة انتخابيَّة لذرِّ الرَّماد في العيُونِ لخداعِ النَّاخب، ليسلها أَثرٌ يُذكر على الأَرضِ؟!. إِذا لمستَ شيئاً مِنها فسيتأَكَّد لكَ أَمرٌ مُهِمٌّ آخر، وهوَ؛ أَنَّهم ناضلُوا وجاهدُوا وضحُّوا ليُستَخلفُوا في الأَرضِ من أَجلِ خدمةِ عبادِ الله تعالى بإِقامةِ العدلِ، أَمَّا إِذا لم تجدلها أَثرٌ، فسيُثبت لكَ الواقِع المَرير بأَنَّهم ناضلُوا وضحُّوا ليتمكَّنُوا من رقابِ النَّاسِ فحسْب ليسرقُوا البلد، حاضِرهُ ومُستقبلهُ!. إِذا لمستَها فذلكَ دليلٌ على أَنَّ جهادهُم كانَ لحمايةِ حقُوق النَّاس التي اغتصبَها الطَّاغوت، أَمَّا إِذا لم تلمسَها ولمستَ بدلاً عنها الفَساد والفشَل والظُّلم والسَّحق المُنظَّملحقُوقِ المُجتمع والتَّمييز والطَّائفيَّة والعُنصريَّة، فستتأَكَّد بأَنَّ جهادهُم كانَ [مُنافسةً في سُلطان].
وقد انفرد المنهج القرآني في تذكير الإنسان بالعودة إلي ذاته أو إلي شعوره كي يعلم ويعقل؛ ذلك لأن التوجيه إلي آثار العقل وآياته هو الدليل القريب إلي حقيقة الإنسان، إذا وجده الإنسان وعرف حقيقته وميزه عن الجهل وفرق بين أحكامه الصائبة وخيالات النفس، وإذا استيقظ العقل داخل الذات بالتذكرة به والتوجيه إليه ، استطاع الإنسان أن يسكن إلي نفسه ويثق بفكره ويهتدي إلي السبيل إلي كل علم وكل خير. [4] 3 – أما مبدئية "الصلاح" فإنه يعني تحمل الإنسان لمسؤولياته تجاه الكون، أي الانتقال من حالة هداية الذات إلى هداية العالم، وهو ما يستوجب من الإنسان عملين متكاملين الأول: نقض الفساد وهدمه، والثاني طرح الهدى والإيمان مقابل هذا الفساد سواء كان هذا الفساد في الإيمان أو في طرق التفكير. 4 – " العلم " – الركن الرابع في إطار مفهوم الرشد- هو أداة العمران، وهو التفضيل الذي فضل الله به الإنسان على الملائكة فقد ذكر في حوار الملائكة مع الله حول "خلافة الإنسان" في الأرض أكثر من مرة، وهو أداة لاكتشاف الله في الكون والخلق (فَأَتْبَعَ سَبَبًا* ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا) (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ). والعلم هو أحد الأدوات اللازمة لحركة الإنسان في الكون وإعماره بجانب الموارد البشرية والمادية، وهو الذي يقوم باكتشاف السنن في النفس والآفاق بما ييسر للإنسان استغلال الطبيعة المسخرة في الأصل للإنسان، وبما يساهم في تحقيق غاية العمران في صورتها الإيجابية حينما يرتبط العلم بالهدى والإيمان.
الموقع الرسمي لسماحة الشيخ الإمام ابن باز رحمه الله موقع يحوي بين صفحاته جمعًا غزيرًا من دعوة الشيخ، وعطائه العلمي، وبذله المعرفي؛ ليكون منارًا يتجمع حوله الملتمسون لطرائق العلوم؛ الباحثون عن سبل الاعتصام والرشاد، نبراسًا للمتطلعين إلى معرفة المزيد عن الشيخ وأحواله ومحطات حياته، دليلًا جامعًا لفتاويه وإجاباته على أسئلة الناس وقضايا المسلمين.
المصدر: الشيخ ابن عثيمين من لقاءات الباب المفتوح، لقاء رقم(74)