القول في تأويل قوله تعالى: ( ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا ( 76)) يقول تعالى ذكره: ويزيد الله من سلك قصد المحجة ، واهتدى لسبيل الرشد ، فآمن بربه ، وصدق بآياته ، فعمل بما أمره به ، وانتهى عما نهاه عنه هدى بما يتجدد له من الإيمان بالفرائض التي يفرضها عليه ، ويقر بلزوم فرضها إياه ، ويعمل بها ، فذلك زيادة من الله في اهتدائه بآياته هدى على هداه ، وذلك نظير قوله ( وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون). وقد كان بعضهم يتأول ذلك: ويزيد الله الذين اهتدوا هدى بناسخ القرآن ومنسوخه ، فيؤمن بالناسخ ، كما آمن من قبل بالمنسوخ ، فذلك زيادة هدى من الله له على هداه من قبل ( والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا) يقول تعالى ذكره: والأعمال التي أمر الله بها عباده ورضيها منهم ، الباقيات لهم غير الفانيات الصالحات ، خير عند ربك جزاء لأهلها ( وخير مردا) عليهم من مقامات هؤلاء المشركين بالله ، وأنديتهم التي يفتخرون بها على أهل الإيمان في الدنيا. [ ص: 245] وقد بينا معنى الباقيات الصالحات ، وذكرنا اختلاف المختلفين في ذلك ، ودللنا على الصواب من القول فيه فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النحل: 90، 91]، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون. [1] ينظر: ابن عثيمين، مجالس شهر رمضان، ص 226- 229. [2] ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 4/ 191. [3] القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 13/ 504. [4] صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 1164. [5] صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 1162. [6] صحيح النسائي الصفحة أو الرقم: 2421. [7] صحيح أبي داود الصفحة أو الرقم: 2436. [8] صحيح النسائي الصفحة أو الرقم: 2357. [9] صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 3420. [10] صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 725. [11] صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 1981. [12] صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 1159.
الإيمان بالله تعالى مركب من تصديق، وأعمال قلب ( النية)، وأعمال اللسان ( القول)، وأعمال الأعضاء ( العمل والفعل)، وهو ليس على درجة واحدة، وهذا كله بحاجة إلى تمكين وترسيخ وسقاء، وذلك يكون بتأمل أدلة وجوده سبحانه، وإعمال القلوب في محبته، واليقين بعدله وحسن الظن بحكمته ورحمته، وإذا كان عندك تصديق، بينما أعمال القلوب مشوشة، والظن ليس بحسن، وفي الصدر حرج، فنور التصديق سيبقى محجوبا، فاليقين بوجود الله تعالى وبأدلة وجوده، يجب أن تكون كافية، شافية، واضحة وملزمة، وذلك لتقوم بها الحجة على الخلق. واليقين هنا هو قوتك الدافعة لكل شيء والمحرك الذي بحسب قوته تنطلق وتستطيع تجاوز العقبات، وكلما سقيت اليقين تجدد النشاط وتلاشى الفتور، لذلك فأول وصف وصف الله تعالى به المتقين في كتابه الكريم، حيث قال الله تعالى: (الم ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) (البقرة: 3) فالذين يؤمنون بالغيب، يكون هذا هو المحرك لكل شيء عندهم. كما أن الثبات والتثبيت في الدين والإيمان مهم جدا، فنحن في زمن هو زمن الفتن، وكم خلعت هذه الفتن أناسا من إيمانهم، وواجب المسلم أن يحصن نفسه، ويضرب جذور يقينه في الأرض ليثبت أمام عواصف الفتن، ويثّبت من حوله.