قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين. إن كان قوله إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء [ ص: 108] من تمام الكلام الذي يلقيه الله على عيسى يوم يجمع الله الرسل كانت هذه الجملة وهي قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة إلخ... معترضة بين جملة وإذ أوحيت إلى الحواريين وجملة وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس الآية. ربنا أنزل علينا مائدة من السماء. وإن كان قوله إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل الآية ابتداء كلام بتقدير فعل اذكر كانت جملة قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا الآية مجاوبة لقول الحواريين يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك الآية على طريقة حكاية المحاورات. وقوله اللهم ربنا أنزل علينا مائدة اشتمل على نداءين ، إذ كان قوله ( ربنا) بتقدير حرف النداء. كرر النداء مبالغة في الضراعة. وليس قوله ( ربنا) بدلا ولا بيانا من اسم الجلالة ، لأن نداء ( اللهم) لا يتبع عند جمهور النحاة لأنه جار مجرى أسماء الأصوات من أجل ما لحقه من التغيير حتى صار كأسماء الأفعال.
كما جعل الله تعالى أعياد المسلمين ومناسكهم مذكرا لآياته، ومنبها على سنن المرسلين وطرقهم القويمة، وفضله وإحسانه عليهم. { وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ} أي: اجعلها لنا رزقا، فسأل عيسى عليه السلام نزولها وأن تكون لهاتين المصلحتين، مصلحة الدين بأن تكون آية باقية، ومصلحة الدنيا، وهي أن تكون رزقا.
وقال: { وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ} [ المائدة: 46]. قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ | أهل مصر. وقال: { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ} [ الصف: 6]. وقال: { كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ} [ الصف: 14], وقال: { وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ} [ الزخرف: 63]ٍ, وقال: { فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ} [ آل عمران: 52], وهي في سياق ايتيانه البينات وفي سياق التكليف. وقال: { إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ} [ المائدة: 110]. وقال: { ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً} [ الحديد: 27].
شاهد أيضًا: لماذا قال عز وجل في سورة يوسف امرأة العزيز ولم يقل زوجة العزيز لماذا سميت سورة المائدة بهذا الاسم سميت سورة المائدة بهذا الاسم، لأنها تحتوي على قصة المائدة، التي طلب سيدنا عيسى عليه السلام من الله عز وجل أن ينزلها إلى قومه، بعد أن طلب منه تلاميذه الحواريين وأصحابه أن يقوم بذلك، حتى تكون برهان على صدق دعوته وصدقه، وفي ذات الوقت ليكون هذا الحدث عيدًا لهم، وهي تُدعى كذلك بسورة العقود أو سورة المنقذة، وفي آيات هذه السورة، يتبين لنا عظيم لطف رب العالمين بعباده المؤمنين، وشدة عذابه للمنافقين والكافرين.
والعيد مشتق من العود ، وهو اسم على زنة فعل ، فجعلت واوه ياء لوقوعها إثر كسرة لازمة. وجمعوه على أعياد بالياء على خلاف القياس ، لأن قياس الجمع أنه يرد الأشياء إلى أصولها ، فقياس جمعه أعواد لكنهم جمعوه على أعياد ، وصغروه على عييد ، تفرقة بينه وبين جمع عود وتصغيره. وقوله: ( لأولنا) بدل من الضمير في قوله لنا بدل بعض من كل ، وعطف ( وآخرنا) عليه يصير الجميع في قوة البدل المطابق. وقد أظهر لام الجر في البدل ، وشأن البدل أن لا يظهر فيه العامل الذي عمل في المبدل منه لأن كون البدل تابعا للمبدل منه في الإعراب مناف لذكر العامل الذي عمل في المتبوع ، ولهذا قال النحاة: إن البدل على نية تكرار العامل ، أي العامل منوي غير مصرح به. وقد ذكر الزمخشري في المفصل أن عامل البدل قد يصرح به ، وجعل ذلك دليلا على أنه منوي في الغالب ولم يقيد ذلك بنوع من العوامل ، ومثله بقوله تعالى: لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ، وبقوله في سورة الأعراف قال الملأ الذين استكبروا للذين استضعفوا لمن آمن منهم. وقال في الكشاف في هذه الآية لأولنا وآخرنا بدل من لنا بتكرير العامل. وجوز البدل أيضا في آية الزخرف ثم قال: ويجوز أن يكون اللامان بمنزلة اللامين في قولك: وهبت له ثوبا لقميصه ، يريد أن تكون اللام الأولى متعلقة بـ تكون والثانية متعلقة بـ عيدا.
[9] إلى هنا، نكون قد وصلنا إلى ختام موضوعنا، الذي وضّحنا فيه الإجابة المناسبة للسؤال، من النبي الذي طلب منه قومه أن ينزل لهم مائدة من السماء ؟، كما تحدّثنا عن سبب تسمية سورة المائدة بهذا الاسم، وقصة الحواريين مع سيدنا عيسى عليه السلام، والسبب الذي دفع الحواريين لطلب المائدة، وتعرّفنا على الحواريون، وصفات هذه المائدة التي طلبوها من سيدنا عيسى عليه السلام، بالإضافة إلى معرفة سبب عذاب رب العالمين للمنافقين في هذه السورة.
علام يعود الضمير في قوله تعالى ثم ليقضوا تفثهم ؟ من التساؤلات التي يبحث عنها الكثير من النّاس، وخاصّةً طُلّاب اللغة العربيّة وعلوم القرآن؛ وذلك لأن عوْد الضمير يُستظهر من خلاله المعنى المُراد من الآية الكريمة، وفي تعلّم العربيّة وإتقانها فضل كبير من ربّ العالمين؛ لأنّ من خلالها يفهم مراد الله من كلامه، وفيما يلي سنتعرّف على سورة الحج، وعلى ما يعود الضمير في الفعل ليقضوا. معلومات عن سورة الحج سورة الحجّ من السّور المدنية، والسور المدنيّة هي التي نزلت بعد الهجرة ولو بغير المدينة، ولكن الآيات من الثانية والخمسين حتى الخامسة والخمسين نزلت بين مكة والمدينة، وتُعدّ من سور المئين، وتبلُغ عدد آياتها ثماني وسبعين آيةً، تحتلّ المرتبة الثانية والعشرين بين ترتيب سور القرآن ، أما من حيث ترتيب النزول؛ فقد نزلت بعد سورة النور، وتُكوّن مع سورة الأنبياء الجزء السابع عشر من القرآن ، وقد ابتدأت بنداء للناس جميعًا. فقد قال- تعالى-:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ " [1] ، وسميت بذلك؛ لأن الحجّ قد ذُكر فيها، وهو الركن الخامس من أركان الإسلام، وقد ضُمّنت الكثير من الموضوعات والحديث عن البعث، والنشور، والعبوديّة لله- تعالى- وحده لا شريك له، والإذن بالجهاد في سبيل الله.
حدثنا محمد بن المثنى, قال: ثنا محمد بن جعفر, قال: ثنا شعبة, عن الحكم, عن مجاهد أنه قال في هذه الآية: ( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) قال: هو حلق الرأس، وذكر أشياء من الحجّ قال شعبة: لا أحفظها. قال: ثنا ابن أبي عديّ, عن شعبة, عن الحكم, عن مجاهد, مثله. حدثني محمد بن عمرو؛ قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) قال: حلق الرأس, وحلق العانة, وقصر الأظفار, وقصّ الشارب, ورمي الجمار, وقص اللحية. حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, مثله. ثم ليقضوا تفثهم و ليوفوا نذورهم. إلا أنه لم يقل في حديثه: وقصّ اللحية. حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي, قال: ثنا المحاربي, قال: سمعت رجلا يسأل ابن جُرَيج, عن قوله: ( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) قال: الأخذ من اللحية, ومن الشارب, وتقليم الأظفار, ونتف الإبط, وحلق العانة, ورمي الجمار. حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا هشيم, قال: أخبرنا منصور, عن الحسن, وأخبرنا جويبر, عن الضحاك أنهما قالا حلق الرأس. حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) يعني: حلق الرأس.