تاريخ النشر: ٢٦ / ربيع الآخر / ١٤٣٧ مرات الإستماع: 1335 الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول، أما بعد: ما زلنا نتحدث -أيها الأحبة- عن هذا الصنف من الناس الذي ذكره الله -تبارك وتعالى- في هذه الآيات من سورة البقرة: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [سورة البقرة:204، 205].
3999 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: " وإذا قيلَ له اتق الله أخذته العزة بالإثم " إلى قوله: وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ، قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا صلى السُّبْحة وفرغ، دخل مربدًا له، (44) فأرسل إلى فتيان قد قرأوا القرآن، منهم ابن عباس وابن أخي عيينة، (45) قال: فيأتون فيقرأون القرآن ويتدارسونه، فإذا كانت القائلة انصرف. قال فمرُّوا بهذه الآية: " وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم " ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ = قال ابن زيد: وهؤلاء المجاهدون في سبيل الله= فقال ابن عباس لبعض من كان إلى جنبه: اقتتل الرجلان؟ فسمع عمر ما قال، فقال: وأيّ شيء قلت ؟ قال: لا شيء يا أمير المؤمنين! قال: ماذا قلت ؟ اقتَتل الرجلان ؟ قال فلما رأى ذلك ابن عباس قال: أرى ههنا مَنْ إذا أُمِر بتقوى الله أخذته العزة بالإثم، وأرى من يَشري نفسه ابتغاءَ مرضاة الله، يقوم هذا فيأمر هذا بتقوى الله، فإذا لم يقبل وأخذته العزة بالإثم، قال هذا: وأنا أشتري نفسي! ⛔ ذلك كان حال الصالحين .. فما هو حالنا اليوم ….! ⛔ - هوامير البورصة السعودية. فقاتله، فاقتتل الرجلان! فقال عمر: لله بلادك يا ابن عباس.
فيُؤخذ من هذه الآية معرفة هذا الوصف الكامل من أوصاف أهل الإيمان مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ يبيع نفسه ويُرخصها ويبذلها طلبًا لمرضاة الله -تبارك وتعالى، ورجاءً لثوابه، فهذا في مقابل ذاك الذي ليس له هم إلا الدنيا، وليس له في الآخرة نصيب عند الله -جل جلاله، وتقدست أسماؤه. ولاحظوا أيضًا إخلاص هذا الصنف من الناس مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فليس له مطلوب آخر، فهو لا يفعل ذلك من أجل أن يُمدح، ويُثنى عليه، ويُذكر، ويُنوه به، وإنما يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله، فهذا هو الذي يكون له الجزاء الأوفى عند الله -تبارك وتعالى، كما قال الله : وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ [سورة البقرة:272] فهذا الإخلاص، ومن ثَم فينبغي على العبد أن يكون بذله وسعيه وعمله وإنفاقه كل ذلك لهذا الغرض، وليس ابتغاء الدنيا، أو أن يبتغي مردودًا ماديًا، وعائدًا يعود عليه، أو أن يبتغي ثناء الناس ومديحهم وإطراءهم، أو المنزلة والحظوة في قلوبهم.
أخذته العزة بالإثم لمشاهدة الصورة بحجمها الأصلي اضغط هنا جودة الطباعة - ألوان جودة الطباعة - أسود ملف نصّي أخذته العزة بالإثم قال الله تعالى: وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ( البقرة: 206) — أي: وإذا نصح ذلك المنافق المفسد, وقيل له: اتق الله واحذر عقابه, وكف عن الفساد في الأرض, لم يقبل النصيحة, بل يحمله الكبر وحمية الجاهلية على مزيد من الآثام, فحسبه جهنم وكافيته عذابا, ولبئس الفراش هي. بالضغط على هذا الزر.. سيتم نسخ النص إلى الحافظة.. حيث يمكنك مشاركته من خلال استعمال الأمر ـ " لصق " ـ
وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) القول في تأويل قوله تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وإذا قيل = لهذا المنافق الذي نعَتَ نعتَه لنبيه عليه الصلاة والسلام، وأخبره أنه يُعجبه قوله في الحياة الدنيا=: اتق الله وخَفْهُ في إفسادك في أرْض الله، وسعيكَ فيها بما حرَّم الله عليك من معاصيه، وإهلاكك حروث المسلمين ونسلهم- استكبر ودخلته عِزة وحَمية بما حرّم الله عليه، وتمادى في غيِّه وضلاله. قال الله جل ثناؤه: فكفاه عقوبة من غيه وضلاله، صِلِيُّ نارِ جهنم، ولبئس المهاد لصاليها. * * * واختلف أهل التأويل فيمن عنى بهذه الآية. فقال بعضهم: عنى بها كل فاسق ومنافق. * ذكر من قال ذلك: 3998 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: حدثنا جعفر بن سليمان، قال: حدثنا بسطام بن مسلم، قال: حدثنا أبو رجاء العطارديّ قال: سمعت عليًّا في هذه الآية: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا إلى: وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ، قال علي: " اقتَتَلا وربِّ الكعبة ".
فيُؤخذ من هذه الآية من الهدايات: أن عزة النفس والمكابرة قد تحمل الإنسان على ركوب العظائم، ورد الحق، والنفور من نصح الناصحين، فيكون ذلك مانعًا من التوفيق والهداية، والرجوع والتوبة، فيبقى الإنسان سادرًا في غيه، لا يلوي على شيء، ولا ينتفع بنصيحة ناصح، فإن الإنسان قد يتذكر من قبل نفسه إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [سورة الأعراف:201] تذكروا عظمة الله، وعذابه، ووعده ووعيده، وحدوده، وما رُكز في نفوسهم من الفطر السليمة، وما علموه من الحلال والحرام، وما إلى ذلك، فيرجعون.