وقال الله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ). مرحلة الأمر بقتال الكفار كافّة و هذه المرحلة فالله عز وجل أمر رسوله صل الله عليه وسلم والمؤمنين بان يقاتلوا الكفار كافة حتى يكون الدين كله لله، ولكي تفتح الأبواب أمام كل من يريد الدخول في الإسلام، فقال الله تعالى: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ). شروط الجهاد في سبيل الله استخلص العلماء من النصوص الشرعية لوجوب الجهاد شروط ومن هذه الشروط: الإسلام الجهاد في سبيل الله لا يصح من الكافر، والدليل على ذلك أن النبي صل الله عليه وسلّم رفض ان يستعين بمشرك جاء ليقاتل مع المسلمين في معركة بدر، فقال لذلك المشرك:(تُومِنُ باللهِ ورسولِه؟ قال: لا، قال: فارجِعْ؛ فلن أستعينَ بمشركٍ). البلوغ الجهاد لا يجب على الطفل حتى يبلغ، حيث ان النبي صل الله عليه وسلم يوم بدر رد زيد بن ثابت وأسامة بن زيد، والبراء بن عازب وعرابة بن أوس، وزيد بن أرقم، وامر هم بحراسة النساء والذراري، وكذلك ما رواه عبدالله بن عمر، أنه عرض على النبي صل الله عليه وسلم وهو ابن أربعة عشر عاما، فلم يجزه للقتال.
ما المقصود بالجهاد في سبيل الله؟ الجهاد في اللغة هو مصدر من الفعل جَاهَدَ، وهو من الجَهد أي الطاقة والمشقة، وجاهد العدو أي قاتله، والجهاد، المبالغة وبذل الجهد في الحرب، وأما الجهاد في الشرع هو فهو قتال المسلمين للكافرين بعد دعوتهم للإسلام أو دعوتهم لدفع الجزية، فيمتنعون عن ذلك، أو الدفاع عن حمى المسلمين وحرماتهم، إعلاءً لكلمة الله تعالى، وتعريف الجهاد بحسب العلماء المسلمين هو: [١] الجهاد عند الحنفيّة: هو بذل الجهد والطاقة بالقتال في سبيل الله تعالى في جميع الوسائل والطّرق المتاحة بالنفس والمال واللسان وغيرها من الوسائل المشروعة، والدّعاء إلى الدّين الحق، وقتال مَن لم يقبله. الجهاد عن الشافعيّة: قتال المسلم لكافر غير ذي عهد، إعلاءً لكلمة الله تعالى. الجهاد عند المالكيّة والحنابلة: بذل الجهد والطاقة في قتال الكفار. الجهاد عند ابن رشد: الجهاد عند ابن رشد هو مجاهدة الكفار بالسيف حتى يدخلوا في الإسلام أو يُعطوا الجزية، ولا ينصرف الجهاد إلى غير قتال الكفار. الجهاد عند ابن تيمية: و الجهاد عند ابن تيمية هو الاجتهاد في حصول ما يحبه الله تعالى من الإيمان والعمل الصالح، ودفع ما يُبغضه من الكفر والفسوق والعصيان، فالجهاد ينحصر في قتال الكفار وما عدا ذلك لا يُعدّ جهادًا، وهذا هو الجهاد الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: [ قال: فأَيُّ الهِجرةِ أَفضَلُ؟ قال: الجِهادُ.
وقد شرع الله الجهاد؛ لإعلاء كلمة الله حتى يعبد الله وحده لا شريك له؛ قال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) [الأنفال:39] وشرع الجهاد؛ لقمع الكفار والمشركين وكف أذاهم عن المسلمين؛ قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) [النساء:76] قال الإمام ابن القيم رحمه الله: والتحقيق أن جنس الجهاد فرض عين؛ إما بالقلب، وإما باللسان، وإما بالمال، وأما باليد؛ فعلى كل مسلم أن يجاهد بنوع من هذه الأنواع. وذكر الإمام أحمد عنه -صلى الله عليه وسلم- أن رجلاً قال له: أوصني فقال: "أوصيك بتقوى الله فإنه رأس كل شيء. وعليك بالجهاد؛ فإنه رهبانية الإسلام. وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن؛ فإنه روحك في السماء وذكر لك في الأرض". وقال -صلى الله عليه وسلم- "ذروة سنام الإسلام الجهاد". وقال: "ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف". وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من مات ولم يغزو ولم يحث نفسه بغزو مات على شعبة من نفاق".
وروى الشيخان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي العمل أفضل؟ فقال: « إيمان بالله ورسوله "، قيل: ثم ماذا؟ قال: « الجهاد في سبيل الله... » الحديث (أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب: من قال إن الإيمان هو العمل 1/77 برقم 26، وأخرجه مسلم في صحيحه كتاب الإيمان، باب: كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال 1/88 برقم83). وأخرجا أيضاً عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً: « لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها » (أخرجه البخاري، كتاب الجهاد، باب: الغدوة والروحة في سبيل الله 6/13 برقم2792، وأخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب: فضل الغدوة والروحة 3/1499 برقم 1880). حكم اتفق علماء المسلمين على أن جهاد الكفار وقتالهم لنشر دين الله فرض، ولكنه فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وذلك لقوله تعالى: { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة} [سورة النساء: آية 95]. قال ابن قدامة رحمه الله: "وهذا يدل على أن القاعدين غير آثمين مع جهاد غيرهم" (المغني 13/6). وقال تعالى: { وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} [سورة التوبة: آية 122]، فنفى الله تعالى أن ينفر المسلمون للجهاد كافة، وحض على أن ينفر من كل فرقة منهم طائفة تقوم بفرض الجهاد الذي يسقط عن الطائفة الباقية.
الثالث: إذا قال الإمام انفروا ، والإمام هو ولي الأمر الأعلى في الدولة ، ولا يشترط أن يكون إماماً للمسلمين ؛ لأن الإمامة العامة انقرضت من أزمنة متطاولة ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: " اسمعوا وأطيعوا ولو تأمر عليكم عبد حبشي " ، فإذا تأمر إنسان على جهة ما صار بمنزلة الإمام العام ، وصار قوله نافذاً، وأمره مطاعاً". انتهى من " الشرح الممتع " ( 8 /10) والله أعلم.
فالخطاب في ابتدائه يتناول الجميع ، كفرض الأعيان ، ثم يختلفان في أن فرض الكفاية يسقط بفعل بعض الناس له ، وفرض الأعيان لا يسقط عن أحد بفعل غيره والجهاد من فروض الكفايات ، في قول عامة أهل العلم". " المغني " ( 9 / 163). وقال الشيخ عبد العزيز بن باز: "سبق أن بينَّا أكثر من مرة أن الجهاد فرض كفاية لا فرض عين ، وعلى جميع المسلمين أن يجاهدوا في نصر إخوانهم بالنفس والمال والسلاح والدعوة والمشورة ، فإذا خرج منهم من يكفي: سلم الجميع من الإثم ، وإذا تركوه كلهم أثموا جميعاً. فعلى المسلمين في المملكة وإفريقيا والمغرب وغيرها أن يبذلوا طاقتهم ، والأقرب فالأقرب ، فإذا حصلت الكفاية من دولة أو دولتين أو ثلاث أو أكثر سقط عن الباقين ، وهم مستحقون للنصر والتأييد ، والواجب مساعدتهم ضد عدوهم ؛ لأنهم مظلومون ، والله أمر بالجهاد للجميع ، وعليهم أن يجاهدوا ضد أعداء الله حتى ينصروا إخوانهم ، وإذا تركوا ذلك أثموا ، وإذا قام به من يكفي: سقط الإثم عن الباقين ". 335). رابعاً: ويكون جهاد الكفار باليد واجباً متعيناً في أربع حالات هي: 1- إذا حضر المسلم الجهاد. 2- إذا حضر العدو وحاصر البلد. 3- إذا استنفر الإمام الرعية يجب عليها أن تنفر.