وقد جعل الله للصادقين في شوقهم وحبهم للوفادة على بيت الله وتلبية ندائه من الأعمال ما يكون لهم سلوى وعوضًا، ومن ذلك: أن يصلي الإنسان الصبح في جماعة ويجلس في مصلاه يذكر الله -تعالى- حتى تطلع الشمس، ثم يصلي ركعتين، فيكون له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة. وكذلك: التبكير لصلاة الجمعة، فإن مَن يحضر إلى صلاة الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قَرَّب بدنة، والبدنة: هي الناقة التي تهدى إلى بيت الله الحرام في الحج والعمرة؛ لهذا المعنى ذهب بعض السلف إلى أن شهود الجمعة يعدل في الأجر حج النافلة؛ قال سعيد بن المسيب -رحمه الله-: "هو أحب إليَّ مِن حجة النافلة". وكذلك: التطهر في البيت قبل الخروج إلى المسجد لأداء الصلاة في جماعة، فإنه ينال بذلك مثل أجر الحاج. الحنين لبيت الله الحرام دعانا لحفظ القرآن الكريم. وغير ذلك من الأعمال التي ورد أنها تعدل الحج أو العمرة، وإن مِن فضل الله أن يجمع المرء بين هذه الفضائل والحج والعمرة؛ فذلك فضل الله يؤتيه مَن يشاء، ويجوز للعبد أن يغبط مثل هؤلاء فيما يتيسر لهم مِن نفقات الحج والعمرة والصدقات. والخلاصة: لا ينبغي لمحبٍّ ومشتاقٍ أن تمر عليه هذه الأيام دون أن يجدد الشوق في قلبه، ويبعثه ويهيجه لحج بيت الله الحرام. رزقنا الله وإياكم حجًّا مبرورًا؛ إنه كريم وَهَّاب جواد.
"صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مئة ألف صلاة فيما سواه، ومع هذه المشاعر الغامرة، والخواطر الساهرة، والأحاسيس العابرة يتصاعد الدعاء ويزداد التضرع ويتألق الشوق إلى الله سبحانه وإلى بيته المحرم، حياة جديدة بلا معاصٍ ولا ذنوب، نعم.. كيف لا يشتاق الحاج والحج يمحو الخطايا والذنوب فيرجع نظيفاً كيوم ولادته "من حجَّ فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" رواه البخاري. كيف لا والحج يهدم ما قبله...!! ؟ وها هو عمرو بن العاص يحكي لنا قصة إسلامه فيقول: لمَّا جَعَلَ الله الإسلام في قلبي، أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: ابسط يدك، فلأبايعك. قال: فبسط، فقبضتُ يدي. فقال: ما لك يا عمرو؟ قلت: أشترط. قال: تشترط ماذا؟ قلت: أن يغفر الله لي، قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما قبلها، وأن الحج يهدم ما قبله؟ كيف لا والحج ليس له جزاء إلا الجنة..!! كم أنا مشتاق لبيت الله الحرام - هوامير البورصة السعودية. ؟ "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" البخاري ومسلم. كيف لا والحج من منزلة الجهاد في سبيل الله..!! ؟ الغازي في سبيل الله والحاجُّ والمعتمر وفدُ الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم… كيف لا يشتاق الحاج والحج ضمان له عند الله..!!
والحج يثمر التقوى والتقوى القاسم المشترك مع كل العبادات وهي أعظم الأخلاق، وجماع مكارم الخير.... التقوى خير زاد: ﴿ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ ﴾ [البقرة 197].. وهي خير لباس: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 26]. وهي خير ميراث: ﴿ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً ﴾ [مريم: 63]. كلمات شوق لبيت الله الحرام الجزء. وهي خير تركة لمن بعدك: ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً ﴾ [النساء: 9]. والحج سعة في الأرزاق؟ كيف؟ الحج ينفي الفقر كما يمحو الذنب، وكذلك العمرة. ولذلك وصى الحبيب صلى الله عليه وسلم بالمتابعة فقال: "تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة" رواه الترمذي والنسائي وصححه الألباني عن بن مسعود، والمتابعة أي اجعلوا أحدهما تابعاً للآخر واقعاً على عقبه.