من هو سيد القراء في دمشق … فقد هنالك مجموعة من الصحابة القراء للقرآن الكريم في كل مدن العالم الإسلاميّ، وقد نزل كتاب الله الخاتم على سبع أحرف لا تختلف في الكتابة إلا أن في النطق، وكلّ هذه القراءات أتت عن رسول الله صلّى الله فوق منه وسلّم ونقلها الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم، وسنتعرّف في ذاك المقال على واحد من الصحابة القرّاء.
وفي 3 يوليو 1939 جاءت التلاوة الأولى للشيخ على محمود كقارئ معتمد ببرامج الإذاعة المصرية في السابعة وخمس عشرة دقيقة، حسبما ذكرت جريدة الأهرام في نفس اليوم، وتضمنت التلاوة التي جاءت من بداية المصحف «فاتحة الكتاب» والربعين الأول والثاني من سورة «البقرة»، وبلغ زمن تلك التلاوة أربعين دقيقة، واعتمدت الإذاعة منذ ذلك اليوم الشيخ علي محمود قارئاً للقرآن مساء يوم الإثنين من كل أسبوع، رحل الشيخ علي محمود في 21 ديسمبر عام 1946 تاركاً عدداً غير كثير من التسجيلات التي تعد تحفاً فنية رائعة من سور «الأنفال» و«يوسف» و«الكهف» و«مريم» و«الأنبياء» و«القيامة»، وله العديد من الأناشيد والموشحات والأغاني.
وكان أحفظَهم أبي، فقد روى أبو داود عن ابن عمر قال: [ صلى النبي صلاة فلُبِّس عليه، فلما انصرف قال لأبي: أصليت معنا؟ قال نعم. قال: فما منعك؟] يعني أن تفتح علي، وهذه شهادة أخرى من النبي صلى الله عليه وسلم له بالحفظ والإتقان. من هو سيد القراء - عقل. وقد توج هذا الإتقان بأرفع تزكية وأعلاها، فقد شهد له الرسول بأنه أقرأ الأمة؛ فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله: [ أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله أُبيّ بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ألا وإن لكل أمة أمينًا، وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح].. وقد عرف ذلك له بين الصحابة حتى قال عمر: "أقضانا علي، وأقرؤنا أبي". وأمر النبي الصحابة أن يتعلموا منه ويأخذوا عنه فقال: [ استقرؤوا القرآن من أربعة: من ابن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل]. فهمه وفقهه: كان لأبي ارتباط عجيب بالقرآن، فكان يختم كل ثمان، وكان ذا فهم في كتاب الله وصاحب تدبر ومعرفة، سأله النبي صلى الله عليه وسلم مرة كما في صحيح مسلم قال أبي: [ قال رسول الله: يا أبا المنذر، أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟» قال: قلت: الله ورسوله أعلم.
لم يستسلم برير أمام هذا الجواب الخاذل, أراد برير أن يهز قلوبهم الميتة, ويزيل الغشاوة عن قلوبهم. أراد أن يقول لهم هذا الحسين ابن بنت رسول الله مع أهل بيته فهل تريدون حقاً قتلهم فصاح فيهم: (يا قوم إن ثقل محمد قد أصبح بين أظهركم وهؤلاء ذريته وعترته وبناته وحرمه, فهاتوا ما عندكم وما الذي تريدون أن تصنعوه بهم) ؟ فقالوا: (نريد أن نمكن منهم الأمير عبيد الله بن زياد فيرى فيهم رأيه) تباً لهم ما أسخفهم, وما أغواهم, وما أضلهم. سألهم مستنكراً جوابهم الضال: (أفلا تقبلون منهم أن يرجعوا إلى المكان الذي جاؤوا منه ؟ ويلكم يا أهل الكوفة أنسيتم كتبكم وعهودكم التي أعطيتموها, وأشهدتم الله عليها, ويلكم أدعوتم أهل بيت نبيكم وزعمتم أنكم تقتلون أنفسكم دونهم حتى إذا أتوكم أسلمتموهم إلى ابن زياد, وحلأتموهم عن ماء الفرات بئسما خلفتم نبيكم في ذريته مالكم لا سقاكم الله يوم القيامة فبئس القوم أنتم). من هو الذي كان يطلق عليه سيد القراء وهو من كتاب الوحي ؟. ولم ينفع كل هذا التذكير والنصح والإنذار لعاقبة ما قد جاؤوا لأجله فقال له نفر منهم: (يا هذا ما ندري ما تقول)!! ولما يئس برير منهم رفع يديه إلى السماء وقال: (الحمد لله الذي زادني فيكم بصيرة, اللهم إني أبرأ إليك من فعال هؤلاء القوم, اللهم ألق بأسهم بينهم, حتى يلقوك وأنت عليهم غضبان) وكأن هذا الدعاء قد أوغر قلوبهم وهيج الشياطين في دواخلهم فجعلوا يرمونه بالسهام فتراجع.
ولأنه كان استثنائيًا، فإن مبدعًا استثنائيًا مثل الشيخ عبد العزيز البشرى، وصف صوتَ الشيخ على محمود قائلًا: "كان صوته من أسباب تعطيل المرور فى الفضاء، لأنَّ الطيرَ السارحَ يتوقفُ إذا استمعَ لصوته"، في إشارةٍ منه إلى جمال صوته وبهائه الذي يتوهج حتى تصل أصداؤه إلى آفاقِ السماء، فتُربك الطيور السابحة في الفضاء التي تتوقف رغمًا عنها لتستمعَ وتتمتعَ وتُسبحَ اللهَ في ملكوته، وإنْ من شيء إلا يسبحُ بحمده، ولكنْ لا تفقهون تسبيحَهم. من هو سيد القرآن الكريم. عندما أتمَّ الشيخ علي محمود عامَه الثامنَ والستينَ، زاره ملكُ الموت قابضًا، بعدما تركَ ثروة إبداعية هائلة من التلاوات القرآنية المجودة، فضلاَ عن العديد من الأناشيد والموشحات والأغاني، فضلًا عن الأذان الذي تحوّلَ عبر حنجرته إلى تحفة فنية خاصة. وبوفاةِ القارئ الشيخ علي محمود، فقدَ العالمُ الإسلاميُّ عَلَمًا خفاقًا وبلبلًا صداحًا، تشهد على ذلك التلاواتُ القرآنية والابتهالاتُ والتواشيحُ الدينية المُتاحة في أرشيف الإذاعة والتليفزيون ومنصَّات التواصُل الاجتماعي.. رحِمَ اللهُ الشيخ علي محمود، وأنزله منازل الصالحين، وتحقق فيه حديثُ الرسول الكريم: "يُقال لقارئ القرآن: اقرأ ورتلْ وارتقِ كما كنتَ ترتلُ في الدنيا، فإنَّ منزلتك عندَ آخر آية كنت تقرؤها"، وأعادَ إلى دولة التلاوة المصرية بهاءَها المفقودَ ومجدَها الزائلَ.