فقالت له: إن شئت بكرًا وإن شئت ثيبًا ، فقال: ومن البكر ، فقالت: عائشة بنت حبيبك أبا بكر ، فقال لها: ومن الثيب ، فقالت: سودة بنت زمعة بن قيس ، قد آمنت بك واتبعتك على ما أنت عليه ، فقال النبي عن عائشة أنها مازالت صغيرة ويريد من تستطيع أن تدبر أموره وترعى ابنتة فاطمة. فذهبت خولة بنت حكيم إلى سودة بنت زمعة وقالت لها: أي سودة ، ماذا أدخل الله عليك من الخير والبركة ، فقالت لها: وماذاك ، فقالت: أرسلني رسول الله صلّ الله عليه وسلم يخطبك عليه ، فقالت سودة: وددت ، ادخلي على أبي فاذكري له ذلك. فدخلت خولة على أبيها وكان رجلًا طاعن في السن فقامت بتحيته وقالت: إن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب أرسلني أخطب عليه سودة ، فقال: كفء كريم ، فماذا تقول صاحبته ، فقالت له أنها تريد ذلك ، فسأل ابنته قائلًا: أي سودة ، زعمت هذه أن محمد بن عبدالله بن عبد المطلب أرسل يخطبك ، وهو كفء كريم ، أفتحبين أن أزوجكه ، فقالت نعم. كانت السيدة سودة رضي الله عنها شديدة الإيثار وراضية النفس ، فعندما تمت الهجرة إلى المدينة ومن بعدها تزوج الرسول من السيدة عائشة بنت أبي بكر ، أفسحت سودة المجال للعروس الجديد وقامت بإرضائها وخدمتها والسهر على راحتها ، حتى قام الرسول بالفصل بينهم وجعل لكل زوجة بيت خاص بها.
ملخص المقال سودة, هي السيدة سودة, أم المؤمنين سودة, من زوجات الرسول وأمهات المؤمنين فما سيرة السيدة سودة؟ كان رحيل السيدة خديجة رضي الله عنها مثير أحزان كبرى في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وخاصَّة أن رحيلها تزامن مع رحيل عمِّه أبي طالب -كما سبق أن أشرنا- حتى سُمِّي هذا العام بعام الحزن. وفي هذا الجو المعتم حيث الحزن والوَحدة، وافتقاد مَنْ يرعى شئون البيت والأولاد، أشفق عليه أصحابه رضوان الله عليهم، فبعثوا إليه خولة بنت حكيم السلمية -رضي الله عنها- امرأة عثمان بن مظعون رضي الله عنه تحثُّه على الزواج من جديد. وهنا جاءته خولة رضي الله عنها، فقالت: يا رسول الله، ألا تتزوَّج؟ فقال: " ومَنْ؟ " قالت: إنْ شئتَ بكرًا، وإنْ شئتَ ثيِّبًا. فقال: " ومَنِ الْبِكْرُ وَمَنِ الثَّيِّبُ؟ " قالت: أمَّا البكر فابنة أحبِّ خلق الله إليك، عائشة رضي الله عنها ، وأما الثيِّب فسودة بنت زمعة، قد آمنت بك واتبعتك. قال: " فَاذْكُرِيهِمَا عَلَيَّ ". فانطلقت السيدة خولة -رضي الله عنها- إلى السيدة سودة، فقالت: ما أدخل الله عليك من الخير والبركة! قالت: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطبك إليه. قالت: وَدِدْتُ، ادخلي إلى أبي فاذكري ذلك له.
وهي كانت زوجة للسكران بن عمرو، وأنجبت منه ابنها عبد الله، وهاجرت معه ومع أخيها مالك بن زمعة في الهجرة الثانية إلى بلاد الحبشة ، رجع السكران وزوجته إلى مكّة فمات بها قبل الهجرة إلى المدينة. اسلام سودة بنت زمعة سودة تزوجت من ابن عمها السكران بن عمرو من بني عامر بن لؤي وهو أخو سهيل بن عمرو ، وانجبت له عبد الله. وقيل أن لها خمسة صبية أو ستة، و السكران أسلم في بداية الإسلام، وكذلك سودة أسلمت معه، وانها بايعت النبي صل الله عليه وسلم ، فعندما اشتد الأذى على المسلمين وزبير بمكة فالنبي صل الله عليه وسلم و أذن لأصحابه بالخروج والهجرة إلى الحبشة فقال: «لو خرجتم إلى أرض الحبشة؟ فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي – أرض صدق – حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه». فالسكران وسودة هاجرا في الهجرة الثانية إلى الحبشة، وكان عدد المهاجرين في هذه الهجرة ثلاثة وثمانين رجل وتسع عشرة امرأة. السكران مات بأرض الحبشة، بينما البعض قال انه رجع لمكة ومات بها قبل الهجرة للمدينة. وري عن بن عباس قال سودة بنت زمعة كانت عند السكران فقد رأت في منامها كأن النبي جاء يمشي حتى وطئ على عنقها، فأخبرت زوجها بذلك فقال: «وأبيك لئن صَدَقَت رؤياك لأموتنّ وليتزَوّجنّك رسول الله »، فقالت: حجرًا وسترًا.
[6] لم تُرِد عائشة -رضي الله عنها- عيب سودة بذلك، بل وصفتها بقوة النفس وجودة القريحة وهي الحدة. انظر: شرح النووي على مسلم 5/ 198. [7] مسلم: كتاب الرضاع، باب جواز هبتها نوبتها لضرتها (1463). [8] الطبقات الكبرى 8/54. [9] ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 7/721.