وفي هذا الحديث دليلٌ علي أنَّ النبي صلي الله عليه وسلم لا يملكُ لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، وأنَّ الذي يملك ذلك هو الله.
شرح حديث أبي مسعود البدري: اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو، فيقول: اللهم إني أسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى" رواه مسلم. هذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها. وهو يتضمن سؤال خير الدين وخير الدنيا؛ فإن "الهدى" هو العلم النافع. و"التقى" العمل الصالح، وترك ما نهى الله ورسوله عنه. وبذلك يصلح الدين. فإن الدين علوم نافعة، ومعارف صادقة. فهي الهدى، وقيام بطاعة الله ورسوله: فهو التقى. شرح حديث أبي مسعود البدري: اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. و"العفاف والغنى" يتضمن العفاف عن الخلق، وعدم تعليق القلب بهم. والغنى بالله وبرزقه، والقناعة بما فيه، وحصول ما يطمئن به القلب من الكفاية. وبذلك تتم سعادة الحياة الدنيا، والراحة القلبية، وهي الحياة الطيبة. فمن رزق الهدى والتقى، والعفاف والغنى، نال السعادتين، وحصل له كل مطلوب. ونجا من كل مرهوب. والله أعلم.
وهو يشعر دائماً أنه ناقص، أنه مغبون الحظ، وأنه ليس كالآخرين الذين حققوا نجاحات، وأنه فاته القطار، فعليه أن يكثر الجري، ويلهث وراء هذه الدنيا، لعله أن يحصّل بعض ما فاته بكل طريق، ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس [4]. ولذلك النبي ﷺ كان يربي أصحابه على هذا المعنى، فلما جاء مال من البحرين تعرض له الأنصار، فلما رآهم ابتسم ﷺ وقال: ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم [5]. الشيخ محمد الأمين الشنقيطي العالم الكبير المعروف صاحب أضواء البيان كان يقول: جئت من البلاد، ومعي كنز لا يقدر بثمن، وهو القناعة، يقول: الجوع يُطرد بكسرة من الخبز، لكن أهم شيء أن لا يذهب ماء الوجه. يمكن للإنسان أن يتخذ "فريزر" ويملؤه خبزاً يكفيه سنة يأكل منه، لكن ماء وجهه لا يذهب، هذا أهم شيء أن تبقى للإنسان كرامته، يأكل خبزاً، ولو خبزاً يابساً، لكن يبقى ماء وجهه. فهذه المعاني نحتاج أن نربي عليها أنفسنا، ونحتاج أن نربي عليها أولادنا. أسأل الله أن يرزقنا وإياكم الهدى والغنى والعفاف، وأن يشفي مرضانا، ويرحم موتانا، ويعافي مبتلانا، وأن يجعل آخرتنا خيراً من دنيانا، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.