ضرب الله عز وجل لعباده مثلاً لرجل مؤمن وكافر، أما الكافر فقد وهبه الله عز وجل نعيم الدنيا، فأعطاه حديقتين، وجعل خلالهما نهراً، فكانت تؤتي من الثمار والخيرات ما لا يحصى، فحصل بينه وبين الرجل المؤمن حوار وجدال، فأنكر الكافر أن يكون ما فيه من النعيم قابل للزوال، وأنه إنما نال ذلك بسبب استحقاقه له ورضا الله عز وجل عنه، فرد عليه الرجل المؤمن مذكراً إياه بمنة الله عليه، وأن الكفر مؤذن بزوال النعم وحلول النقم، وهو جزاء كل متكبر على ربه، مغرور بما عنده.
قال تعالى: [وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ] سورة الزمر (65). والمعنى: ولقد أوحى إليك يا محمد ربك, وإلى الذين من قبلك من الرسل [ لئن أشركت ليحبطنّ عملك, ولتكوننّ من الخاسرين], فاحذر أن تشرك بالله شيئا فتهلك. ومعنى قوله: ( وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) ولتكونن من الهالكين بالإشراك بالله إن أشركت به شيئا.
(4) بيان فضل التوحيد والتبرؤ من الشرك، والتوسل بتوحيد الله تعالى لتفريج الهم والضيق، وهو مستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم: "اَللَّهُ اَللَّهُ رَبِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا". وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عِنْدَ الكَرْبِ يَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ»؛ [متفق عليه].
تاريخ النشر: ٠٤ / ذو الحجة / ١٤٣٥ مرات الإستماع: 1823 الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله. أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، هذا الذكر هو آخر ما أورده المصنفُ فيما يتَّصل بدُعاء الكرب، وهو ما جاء من حديث أسماء بنت عُميس -رضي الله عنها- قالت: قال لي رسولُ الله ﷺ: ألا أُعلمك كلمات تقولينهنَّ عند الكرب -أو في الكرب-؟ الله ربي لا أُشرك به شيئًا. هذا الحديث أخرجه أبو داود [1] ، وابن ماجه [2] ، وسكت عنه أبو داود، وقد عرفنا أنَّ ما سكت عنه أبو داود فهو صالحٌ للاحتجاج عنده، وقال عنه المنذري: لا ينزل عن درجة الحسن [3]. وقد يكون على شرط "الصحيحين"، أو أحدهما. وحسَّنه جمعٌ من أهل العلم: كالحافظ ابن حجر [4] ، والسيوطي [5] ، والألباني [6] ، ثم بعد ذلك تراجع فصححه، وقال عنه أبو نُعيم: غريبٌ من حديث عمر؛ تفرد به ابنُه عن هلال مولاه عنه [7]. فهو حديثٌ ثابتٌ صحيحٌ. فالنبي ﷺ يقول لأسماء -رضي الله تعالى عنها-: ألا أُعلمك كلمات ، هكذا بأسلوب العرض الذي يقتضي التَّشويق وجذب الانتباه من أجل أن تتشوف إلى ذلك. تقولينهنَّ عند الكرب، أو في الكرب ، وهذه الكلمات التي علَّمها النبيُّ ﷺ أن تقول: الله ربي تكررت لفظة الجلالة مرتين، الله، الله ربي ، فلفظ الجلالة (الله) الأول مُبتدأ، والثاني تأكيدٌ لفظي له.