(وكانَ الشَّيطانُ للإنسانِ خَذُولاً) يزين له الباطل، ويقبح له الحق، ويعده الأماني، ثم يتخلى عنه، ويتبرأ منه ، كما قال لجميع أتباعه ، حين قضي الأمر، وفرغ الله من حساب الخلق: ( وقال الشيطان إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم، وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن وعدتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما انا بمصرخكم وماأنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتموني من قبل) فلينظر العبد لنفسه وقت الإمكان ، وليتدارك الممكن قبل أن لايمكن ، وليُوالِ من ولايته، فيها سعادته ، وليُعادِ من تنفعه عداوته، وتضره صداقته. يقول الله تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَه مَعِيشَةً ضَنكا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِم حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْك آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنسَى وقوله: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ لا يبقى لأحد من المخلوقين ملك ولا صورة ملك، كما كانوا في الدنيا، بل قد تساوت الملوك ورعاياهم والأحرار والعبيد والأشراف وغيرهم. أن الله تعالى إذا حشر الناس وجمعهم ليوم لا ريب فيه، كأنهم ما لبثوا إلا ساعة من نهار، وكأنه ما مر عليهم نعيم ولا بؤس، وهم يتعارفون بينهم، كحالهم في الدنيا، ففي هذا اليوم يربح المتقون، ويخسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين إلى الصراط المستقيم والدين القويم، ثم يجمع الله الخلق يوم القيامة في صعيد واحد ، الجن والإنس والبهائم والسباع والطير وجميع الخلق ، وتأتى الحيوانات منكسة رؤوسها فيقضى الله بينهما ثم تكون تراب فيقول الكافر والفاجر يومئذ يا ليتني كنت ترابا.
أما بعد: فإنه قد يثير هذا الموضوع التساؤل لدى الكثيرين، وقد يسأل البعض: لماذا هذا الموضوع؟ وهذا العنوان الذي قد يكون غيره من مسائل الدين أهم منه؟ لكن ولماذا اخترته؟ اخترته الأنا الالاف الناس تموت في كُلّ يَوْمٍ بدون لا إله إلا الله محمد رسول الله. و سوف يكون مسيرها بعد ذلك ، مسير الذين قالو ( يا ليتني كنت ترابا) يقول الله تعالى (الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا. ) ( ويومَ يَعَضُّ الظَّالِمُ) بشركه وكفره، وتكذيبه للرسل (على يدَيهِ) تأسفاً، وتحسراً، وحزناً، واسفاً. (يقُولُ ياليتَنِي اتخذتُ معَ الرسُولِ سبِيلاً) أي طريقاً بالإيمان به ، وتصديقه واتباعه. (ياويلتَي ليتنِي لم أتَّخِذ فُلانًا) وهو الشيطان الإنسي أو الجني، ( خليلاً) أي حبيباً مصافياً ،وعاديت انصح الناس لي، وأبرهم بي، وارفقهم بي، وواليت أعدى عدو لي، الذي لم تفدني ولايته ، إلا الشقاء والخسار والخزي، والبوار. (لقد أضَلَّني عنِ الذِكرِ بعدَ إذ جآءنِي) حيث زين له، ماهو عليه من الضلال ، بخدعه وتسويله.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله يَقُولُ: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَ رَأَى الْكَافِرُ مَا أَعَدَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لِشِيعَةِ عَلِيٍّ مِنَ الثَّوَابِ وَ الزُّلْفَى وَ الْكَرَامَةِ، قَالَ: ﴿... يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ﴾ 1 ، أَيْ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ" 2 ، 3. مواضيع ذات صلة