ما معنى ولادة القمر علمياً: و الآن نتساءل كيف يلد القمر ، و كيف يتحول إللا هلال ثم بدر ؟ إن القمر أثناء دورانه حول لأرض يمر بوضعية ينطبق فيها ظاهرياً على الشمس ، و هذا يوافق المحاق. فإذا علا قليلاً عنها بالنسبة للناظر من الأرض قلنا أنه ولد ( أنظر الشكل التالي) لأن الجزء السفلي من وجهة المضيء يبدأ بالظهور. وفي هذه الحالة نحصل على الهلال بشكل حرف (ن). لكن هذا لا يحدث إلا نادراً ، و ذلك عندما تقع الأرض والقمر و الشمس على استقامة واحدة ، و هي حالة كسوف الشمس. أما في الحالة العامة فيكون القمر منزاحاً إلى أحد جانبي الشمس. ففي بلادنا يكون منزاحاً إلى جهة يسار الناظر (جنوب). فإذا صار القمر أثناء دورانه على خط أفقي واحد مع الشمس يكون في المحاق. تفسير قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ...}. و بمجرد انزياحه عن هذه الوضعية و ارتفاعه عن أفق الشمس ، يبدأ طرفه المضيء بالظهور و نقول أن القمر قد ولد. ويكون شكل الهلال عندها مثل الحرف (ر). بيد أن العين البشرية لا تستطيع رؤية القمر بعد ولادته إذا كان عمره أقل من ثماني ساعات ، وذلك لشدة قربه من الشمس و تأثير ضوئها على وضوحه. وبما أن الولادة للقمر متعلقة برؤيته ، فإذا التمسنا القمر عند غروب الشمس و كان عمره أكثر من ثماني ساعات و استطعنا رؤيته نقول إنه ولد شرعاً.
[ ص: 520] حدثني يعقوب بن إبراهيم قال: ثنا الأشجعي ، عن سفيان ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح ( لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار) قال: لا يدرك هذا ضوء هذا ولا هذا ضوء هذا. حدثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول ، في قوله ( لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر) وهذا في ضوء القمر وضوء الشمس ، إذا طلعت الشمس لم يكن للقمر ضوء ، وإذا طلع القمر بضوئه لم يكن للشمس ضوء ( ولا الليل سابق النهار) قال: في قضاء الله وعلمه أن لا يفوت الليل النهار حتى يدركه ، فيذهب ظلمته ، وفي قضاء الله أن لا يفوت النهار الليل حتى يدركه ، فيذهب بضوئه. حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد ، عن قتادة ( لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار) ولكل حد وعلم لا يعدوه ، ولا يقصر دونه; إذا جاء سلطان هذا ، ذهب سلطان هذا ، وإذا جاء سلطان هذا ذهب سلطان هذا. والقمر قدرناه منازل لتعلموا عدد السنين. وروي عن ابن عباس في ذلك ما حدثني محمد بن سعد قال: ثني أبي قال: ثني عمي قال: ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار) يقول: إذا اجتمعا في السماء كان أحدهما بين يدي الآخر ، فإذا غابا غاب أحدهما بين يدي الآخر ، وأن من قوله ( أن تدرك) في موضع رفع بقوله: ينبغي.
الصفحة الرئیسیة المقالات 493 نفر 0 المتأمّل في نظام الكون و حركاته ،ينقلب إليه البصر خاسئاً و هو حسير، إذ لا يجد في هذه الحركات و الأفلاك إلاّ النظام التام و الدقة الكاملة يقول تعالى: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ * ثمّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ) (4) سورة الملك. و المتأمل في نظام الشمس و القمر و الأرض ، لا يلبث أن تأخذه الدهشة و الذهول من تلك الأجرام المتحركة في تقدير عجيب و توافق غريب ، و ما ينشأ عن ذلك من ظواهر الليل و النهار ، و الشروق و الغروب ، و تطورات الهلال، من محاق إلى هلال إلى بدر ، ثمّ ظواهر الخسوف و الكسوف ، و ما يرافقها من رهبة و دهشة ، و تضرّع و إذعان. فمن هذا الذي خلق هذا الكون كله و قدّره تقديراً ، و قرّر أنظمته تقديراً. والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون. سيقولون الله ، فقل أفلا تتقون ؟ يقول تعالى في سورة الرحمن: ( الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ) ( 7) سورة الرحمن.
الفرق بين السنة الشمسية و السنة القمرية: ذكرنا أنّ السنة الشمسية تعادل 365 يوماً ، و أنّ السنة القمرية تعادل 354 يوماً ، الفرق بينهما 365 – 354 = 11 يوماً. و يتراكم هذا الفرق مع توالي السنين ( كلّ سنة 11يوماً) ، فيصبح كلّ ثلاثة سنوات شهراً تقريباً ، فإذا وقع أوّل المحرّم في أوّل نيسان مثلاً فبعد ثلاث سنوات يصبح أوّل المحرّم في أوّل آذار ، و بعد ثلاثة سنوات في أوّل شباط.. و هكذا يتراجع إلى الوراء شهراً كلّ ثلاث سنوات. و يعود التطابق بين التقويمين الشمسي و القمري كلّ 33 سنة حيث أنّ كلّ 32 سنة شمسية تعادل 33 سنة قمرية ، بفرق يومين فقط. أي يعود الوضع النسبي بين الشمس و القمر و الأرض متماثلاً كلّ 33سنة. موقع كلمات | و القمر قدرناه منازل. و من هذا المنطلق لاحظ علماء الجوّ أنّ الأحوال الجوّية التي تطرأ على الأرض تحدث على نمط متشابه كلّ 33سنة فإذا حصل قحط على الأرض ، فإنّه يحدث قحط مشابه له بعد 33سنة. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا التعادل بين السنة الشمسية و السنة القمرية ، و أنّه كلما مضى مائة سنة شمسية تمضي 103 سنة قمرية ، أي بزيادة ثلاثة سنوات كلّ مائة سنة ، و ذلك في معرض حديثه عن أهل الكهف حيث قال عن مدة لبثهم في الكهف. ( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) (25) سورة الكهف.
وقوله ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ يقول: وكل ما ذكرنا من الشمس والقمر والليل والنهار في فلك يجرون. ⁕ حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله العجلي، قال: ثنا شعبة، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) قال: في فلك كفلك المِغْزَل. ⁕ حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله. ⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، قال: مجرى كلّ واحد منهما، يعني الليل والنهار، في فَلَك يسبحون: يجرون. ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ أي: في فلك السماء يسبحون. والقمر قدرناه منازل حتى. ⁕ حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ دورانا، يقول: دورانا يسبحون؛ يقول: يجرون. ⁕ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ يعني: كلّ في فلك في السموات؟.
ويُبيّن الله قدرته وعزته وحكمته ورحمته بعباده؛ في تقدير منازل القمر كل يومٍ له منزلة غير المنزلة الأخرى فيعود في آخر الشهر كما هو في أوّله كالعرجون القديم الذي هو العود الأصفر الذي يحمل العنقود؛ لأنه إذا قَدِم يلتوي ويضعف وهكذا القمر؛ فإنه يبدو في أوّل الشهر هلالا ضعيفا، ثم ينمو شيئا فشيئا حتى يمتلئ نورا في منتصف الشهر، ثم يعود في النقص شيئا فشيئا حتى يعود كعرجون النخل القديم ملتويا ضعيفا.