قال: تسعًا. قلت: يا رسول الله! قال: إحدى عشرة. ثمَّ قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: لا صوم فوق صوم داود -عليه السَّلام - شطر الدَّهر: صم يومًا وأفطر يومًا)) [806] رواه البخاري (1980)، ومسلم (1159). وكان يتفقَّدهم حتى في الغزوات والمعارك، ومِن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه مِن حديث أبي برزة: ((أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان في مغزى له، فأفاء الله عليه، فقال لأصحابه: هل تفقدون مِن أحدٍ. قالوا: نعم فلانًا وفلانًا وفلانًا. ثمَّ قال: هل تفقدون مِن أحدٍ. ثمَّ قال: هل تفقدون مِن أحدٍ؟ قالوا: لا. قال: لكنِّي أفقد جليبيبًا، فاطلبوه. تواضع النبي صلي الله عليه وسلم انشوده. فطُلِب في القتلى، فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثمَّ قتلوه، فأتى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فوقف عليه، فقال: قتل سبعة ثمَّ قتلوه، هذا منِّي وأنا منه، هذا منِّي وأنا منه. قال: فوضعه على ساعديه ليس له إلَّا ساعدا النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: فحفر له ووضع في قبره)) [807] رواه مسلم (2472). - وكان مِن تواضعه صلى الله عليه وسلم، القيام بخدمة أصحابه، روى مسلم في صحيحه مِن حديث أبي قتادة، وفيه -في قصَّة نومهم عن صلاة الفجر-: ((... قال ودعا بالميضأة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبُّ وأبو قتادة يسقيهم -أي أصحابه- فلم يَعْدُ أن رأى النَّاس ماءً في الميضأة تكابُّوا عليها.
انظر أيضا: نماذج مِن تواضع الصَّحابة رضوان الله عليهم. نماذج مِن تواضع السَّلف. نماذج مِن تواضع العلماء المتقدِّمين. نماذج مِن تواضع العلماء المعاصرين.
وقال البغوي: حسن صحيح. وقال الألباني في ((السِّلسلة الصَّحيحة)) (5/149): إسناده صحيح على شرط مسلم. وعن أنس رضي الله عنه قال: ((إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخالطنا حتى يقول لأخٍ لي صغير: يا أبا عُمَيْر، ما فعل النُّغَير؟)) [813] رواه البخاري (6129)، ومسلم (2150). - ومِن تواضعه صلى الله عليه وسلم، أنَّه كان يشارك في خدمة أهله في البيت، فقد روى البخاريُّ عن الأسود، قال: ((سألت عائشة: ما كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مِهْنَةِ أهله - تعني خدمة أهله -، فإذا حضرت الصَّلاة خرج إلى الصَّلاة)) [814] رواه البخاري (676) مِن حديث عائشة رضي الله عنها. - وكان مِن تواضعه صلى الله عليه وسلم، أنه يركب الحمار ويستردف فيه، يحكي لنا أنس رضي الله عنه عن حال النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فيقول: ((كان صلى الله عليه وسلم يُرْدِف خلفه، ويضع طعامه على الأرض، ويجيب دعوة المملوك، ويركب الحمار)) [815] رواه الحاكم (4/132) (7128). وصحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (4945). وعن عبيد بن حنين أنَّه سمع ابن عبَّاس -رضي الله عنهما- يحدِّث أنَّه قال: ((مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطَّاب عن آية، فما أستطيع أن أسأله هيبة له، حتى خرج حاجًّا فخرجت معه... حل درس رعاية الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل بيته تربية إسلامية صف عاشرفصل ثاني – مدرستي الامارتية. )) [816] رواه البخاري (4913).
فلم تشغله صلى الله عليه وسلم النبوة ولم تمنعه مسؤولية أمته أن يجعل للضعفاءوالمرضى نصيبًا من الزيارة واللقاء. فأين أصحاب الجاه والسلطان من هذا الخُلق العظيم؟! أما في ركوبه فنراه صلى الله عليه وسلم يركب ما يركب عامة الناس، فركب صلى الله عليه وسلم الحمار والبعير والبغلة والفرس، فعن معاذ بن جبل-رضي الله عنه- قال « كنت رِدْفَ النبي صلى الله عليه وسلم (راكبًا خلفه) على حمار، يقال له: عُفَيْر » (متفق عليه) وهو من وسائل الركوب العادية في عصره صلى الله عليه وسلم.
وعندما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بموت عصفور الصبي أسرع إليه يواسيه ويخفف عنه؛ حتى تبسم الصبي ونسي حزنه. هل هناك ربط بين التواضع والرفعة في مشاهداتك اليومية؟ تواضع الرسول صلى الله عليه وسلم مع الضعفاء والمساكين وتواضعه صلى الله عليه وسلم لم يكن قاصرًا على ما سبق، بل كان جليًّا واضحًا في معاملاته حتى مع الضعفاء والمساكين والإماء كافة، فكان صلى الله عليه وسلم يخالطهم ويشاركهم السراء والضراء، فعن سهل بن حنيف قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْتِي ضُعَفَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَيَزُورُهُمْ وَيَعُودُ مَرْضَاهُمْ وَيَشْهَدُ جَنَائِزَهُمْ» (رواه الحاكم). حتى شمل تواضعه الإماء وهو من هو صلى الله عليه وسلم ؛ فقد روى أنس بن مالك قال: «كَانَتِ الْأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ» (رواه البخاري). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ؟» قَالُوا: «بَلَى». قَالَ صلى الله عليه وسلم: كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ. نماذج مِن تواضع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم - موسوعة الأخلاق - الدرر السنية. ثمَّ قال: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟» قالوا: «بلى».
وأما تواضعه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه ومن حوله، فحدث عنه ولا حرج. ويكفي أن تعلم في هذا المقام أنه صلى الله عليه وسلم كان يركب الحمار، وهي وسيلة نقل عادية في ذلك الزمان، ليس هذا فحسب، بل كان يحمل خلفه على دابته، من كان لا يملك وسيلة نقل تنقله. ومن مظاهر تواضعه صلى الله عليه وسلم، أنه لم يكن يرضى من أحد أن يقوم له تعظيمًا لشخصه، بل كان ينهى أصحابه عن فعل ذلك؛ حتى إن الصحابة رضوان الله عنهم، مع شدة حبهم له، لم يكونوا يقومون له إذا رأوه قادمًا، وما ذلك إلا لعلمهم أنه كان يكره ذلك. ولم يكن تواضعه عليه الصلاة والسلام صفة له مع صحابته فحسب، بل كان ذلك خُلُقًا أصيلاً، تجلى مع الناس جميعًا. يبين هذا أنه لما جاءه عدي بن حاتم يريد معرفة حقيقة دعوته، دعاه صلى الله عليه وسلم إلى بيته، فألقت إليه الجارية وسادة يجلس عليها، فجعل الوسادة بينه وبين عدي ، وجلس على الأرض. تواضع النبي صلى الله عليه وسلم - خالد سعد النجار - طريق الإسلام. قال عدي: فعرفت أنه ليس بملك. وكان من تواضعه صلى الله عليه وسلم، أنه كان يجلس مع أصحابه كواحد منهم، ولم يكن يجلس مجلسًا يميزه عمن حوله، حتى إن الغريب الذي لا يعرفه، إذا دخل مجلسًا هو فيه، لم يستطع أن يفرق بينه وبين أصحابه، فكان يسأل: أيكم محمد ؟.