لذا قام بتجهيز تلك الجيوش بإمدادات لتساعده في ساحة المعركة، واتجه بعد ذلك إلى الشيراز في عام 90 هجريًا بجيشه الذي يتكون من 6 آلاف جندي، وعندما وصل هناك شارك معه 6 آلاف جندي آخرين. وعندما انتهى من جميع استعداداته في شيراز ذهب محمد بن القاسم مع جيشه المكون من اثنى عشر جندي مقاتل إلى الشرق وصولًا إلى مُكران. وبعدها اتجه إلى فنزبور وبعدها إلى أرمائيل وعندها حارب المسلمون واندفعوا إلى مدينة الديبل ودخلوا المدينة وتم فتحها بواسطة القائد العظيم محمد بن القاسم. وبعدما تم فتح مدينة الديبل التي تعتبر واحدة من أكثر المدن حصانة في السند استمر محمد بن القاسم فتوحاته. حتى أنه لم يكن يمر من مدينة إلا وكان يقوم بغزوها وينشر تعاليم الإسلام فيها ويسكن فيها الكثير من المسلمين، كما أنه بنى الكثير من المساجد في شتى أنحاء البلاد. محمد بن القاسم الثقفي – الإخوان المسلمون في سورية. بالإضافة إلى أن محمد بن القاسم الثقفي استطاع بحكمته وبأخلاقه الكريمة أن يكسب قلوب الهنود. كما أنهم أحبوه كثيرًا لشجاعته ولحسن قيادته حيث أنه قاد جيشًا كبيرًا وهو لم يتجاوز الثامنة عشر. فقام بتسليم الكثير من الزط الذين ينتمون إلى بدو الهنود كما اشترك أربعة آلاف جندي منهم مع محمد بن القاسم ليقاتلوا معه.
واستمر محمد بن القاسم في فتوحاته لبقية أجزاء بلاد السند حتى انتهى منها سنة 96هـ، وبذلك قامت أول دولة عربية في بلاد السند والبنجاب أي بلاد باكستان الحالية. وكان محمد بن القاسم راجح الميزان في التفكير والتدبير، وفي العدل والكرم، إذا قورن بكثير من الأبطال، وهم لا يكادون يبلغون مداه في الفروسية والبطولة، ولقد شهد له بذلك الأصدقاء والأعداء. ولم تجتمع أخبار محمد بن القاسم المتفرقة إلى زمن قريب في كتاب، اللهم إلا على شكل مقال أو قصة، ولاسيما قصة بطل السند للأستاذ محمد عبد الغني حسن، وقد استفدت منها بأخذ بعض المعلومات التي تتعلق بحياته قبل فتح بلاد السند عند كتابة هذا المقال، حتى شاء الله تعالى أن تكون من نصيبي كتابة تاريخ كامل مفصل لبلاد السند والبنجاب في عهد العرب، في القرون الأربعة الأولى للهجرة، من صدر الإسلام إلى أواخر العصر العباسي، وفي هذا الكتاب يوجد باب مستقل يحتوي على أخبار فتوحات محمد بن القاسم في بلاد السند والبنجاب وأعماله المجيدة لخدمة الإسلام. كما أنني أوضحت الأسباب السياسية التي أدت إلى قتله نتيجة لنزوات الأحقاد، وبذلك خسر العالم الإسلامي والعربي فاتحًا عظيمًا. يوم الإنتقام بعد فتح مدينة 'الدبيل' أحصن مدن السند، واصل محمد بن القاسم سيره، فكان لا يمر على مدينة إلا فتحها وهدم معابد الوثنية والبوذية بها وأقام شعائر الإسلام وأسكنها المسلمون وبنى المساجد حتى غير خريطة البلاد تماماً وصبغها بصبغة إسلامية تامة.
عدوان قراصنة السند حدث في سنة (88هـ= 707م) أن سفينة عربية كانت قادمة من جزيرة الياقوت (بلاد سيلان) وعليها نساء مسلمات، وقد مات آباؤهنَّ، ولم يبقَ لهنَّ راعٍ هناك، فقرَّرْنَ السفر للإقامة في العراق، ورأى ملك سيلان في ذلك فرصة للتقرُّب إلى العرب فوافق على سفرهنَّ، بل حمَّل السفينة بهدايا إلى الحجاج والخليفة الوليد بن عبد الملك، وبينما كانت السفينة في طريقها إلى البصرة مارَّة بميناء الديبل ببلاد السند، خرج قراصنة من السند واستولَوْا عليها. وعندئذٍ كتب الحجاج إلى ملك السند يطلب منه الإفراج عن النساء المسلمات والسفينة، ولكنه اعتذر عن ذلك بحجَّة أن الذين خطفوا السفينة لصوص لا يقدر عليهم، فبعث الحجاج حملتين على الدَّيْبُل؛ الأولى بقيادة عبيد الله بن نبهان السلمي، والثانية بقيادة بُدَيْل البجلي، ولكنَّ الحملتين فشلتا، بل قُتل القائدان على يد جنود السند. ووصلت الأخبار إلى الحجاج أن النساء المسلمات والجنود العرب مسجونين في سجن الديبل، ولا يُريد ملك السند الإفراج عنهم عنادًا للعرب، وهنا كانت الأسباب تُلِحُّ على الحجاج في إرسال جيش كبير لفتح تلك البلاد، التي كان قراصنتها يُضايقون السفن العربية التجارية المارَّة بين مواني البلاد العربية ومواني بلاد الهند.