تقول الحكمة العربية: قاتل الله الحسد ما أعدله! عدا على صاحبه فقتله! وهي حكمة بالغة لو أدركها الناس لنجوا من هذا العدو اللدود الذي «يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب» كما ورد في الحديث، فيظل العبد عاملاً ناصباً في الخيرات وأداء المفترضات والصالحات الطيبات، وهو لا يدري أنها تذهب كما يذهب الماء في أرض بلقع، وأنه كمن يبني قصراً ويهدم مِصراً، وقد أدرك بعض الأدباء هذا المعنى فعبر عنه بقوله: «ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحسود؛ نفس دائم، وهم لازم، وقلب هائم». وقال عنه معاوية رضي الله عنه: «ليس في خصال الشر أعدل من الحسد، يقتل الحاسد قبل أن يصل إلى المحسود». وقيل في منثور الحكم: «عقوبة الحاسد من نفسه». وقال بعض الحكماء: «يكفيك من الحاسد أنه يغتم في وقت سرورك، وما حمله على الغم لو كان عاقلاً؟ أما يكفيه ما فيه من غم الدنيا ونكدها! فكفى ذلك منغصاً للعاقل، وليس بحاجة إلى أن يكثر على نفسه الأعداء الألداء، الذين يحرقون الأعمار بنكد الليل والنهار». وقد قيل لأعرابي: ما أطول عمرك؟! فقال: تركت الحسد فبقيت.
قاتل الله الحسد - ظفر النتيفات | كلمات حمد بن عبدالله العقيل - YouTube
فاذا كان الحسد موجها للشعر انقلب الشعر من غزير الى ضعيف متساقط ومن ناعم الملمس الى خشن الملمس. واما اذا كان الحسد موجها لنضارة الوجه وصفائه انقلب الوجه الجميل الى قبيح من كثرة القروح والدمامل والحبوب والحفر. واما اذا كان الحسد موجها للجسم الجميل الرشيق ، تراجع هذا الجسم ليصل الى العظم ويصبح جسما قبيحا. واما ان كان الحسد موجها للاولاد والبنات ، فشره كبير. مثال ذلك وهو ان تكون عائلة مثالية لها اولاد وبنات كثر ومثقفون ويتعاملون مع بعضهم بعضا بالاحترام المتبادل ويعملون وينتجون ومتحدون. فاذا بهم يصابون " بعين لامة " حاسدة ، فاذا هم ينقلبون فبعد ان كانوا متحدين اصبحوا متفرقين ، وبعد ان كانوا متحابين اصبح النفور والبغض شعورهم الدائم فيصبحوا متوترين ، لا يطيق احدهم الاخر وتقوم بينهم اكبر المشكلات من اتفه الاسباب ، وتتحول حياتهم من نعيم وسعادة الى جحيم لا يطاق. واما الحسد في الاموال والممتلكات فهو ان يكون انسانا صاحب امكانيات مادية وصاحب ممتلكات فيصاب بالحسد فينقلب غناه الى فقر وتنزع البركة من كل شيء يملكه ، وتتحول اموره من السوء الى الاسوأ. واما ان كان الحسد موجها لصاحب المنصب والجاه فهو ان يكون رجل منصب وجاه وسعادة ، فيصاب بالحسد فتتعب نفسيته ويفقد الاحساس بالسعادة ويزهد بالمنصب ويشعر بالضعف والخوف من الجاه فيتعكر صفوه ويبدأ بالشعور بأنه انسان تعيس ويفقد شهيته وشهوته ويتحول الى انسان آخر مصاب بالوهن والضعف والخوف والوهم ، وبعد ذلك يستمر بالانهيار تدريجيا الى ان يفقد المنصب ويفقد الجاه.
انتشرت بين أوساط المجتمع قضية الحسد، التي أرهقت الكثيرين، واستولت على تفكيرهم، وأصبح كل مريض يعلل سبب مرضه بالحسد وإصابته بالعين، حتى لو أصابته شوكة، أو وقع في حفرة، أو جاءه مغص أو صداع، فإن ذلك يجعل الكثيرين يدّعون أن السبب في ذلك الحسد، وتبدأ الشكوك فيمن حول المريض، ممن أكل أو شرب أو سار معه، فيتحينون الفرص للأخذ من أثر ذلك الشخص، أو يُطلب منه مباشرة القراءة والنفث على المريض أو على ماء يشرب منه المحسود ويغتسل بالباقي. نحن لا نُنكر أن العين حق كما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، لكن أن يكون الحسد هو القاسم المشترك لجميع الأمراض فهذا هو الظن الخاطئ، وبعض الظن إثم. وأنقل إليكم حديث أحد الأصدقاء، الذي يقول: عشت مع أحد الأشخاص سني عمري حتى أنني أجلس معه أكثر من مجالستي لأهلي. وبعد أكثر من عشرين عاماً فوجئت به يدخل مكتبي، ويظهر على شكله التعب والإرهاق، وطلب من فراش المكتب كأس ماء، فأحضره له، ثم اتجه نحوي، وقال أرجو أن تقرأ وتنفث فيه، فسألته عن السبب، فقال يا أخي أنا ما نمت البارحة؛ لأني شاك في أنك حسدتني وأصبتني بعين. قلت له لماذا أحسدك في هذا الوقت وقد عشنا أنا وأنت سني عمرنا مع بعض، وكنت أنت في عز شبابك وحيويتك ولم تشك في يوم من الأيام بمثل هذا الشك، وعندما هرمت وكبرت أحسدك؟!!
فعل ذلك الشيخ عدنان إبراهيم، فقدم تفسير الحسد الأسطوري بوصفه قوى خفية مثبتة علميًا بما أطلق عليه "علم الباراسيكولوجي" الذي قال إنه "أصبح عـلمًا محترمًا تقـريبًا". عدنان يعلم أن الباراسيكولوجي ليس علمًا محترمًا، وأن كل الأوساط العلمية في العالم لا تعترف به، ولا تراه علمًا، ولا تجيز دراسته أية جامعة معتبرة في العالم؛ كونه غير مبني على التفسير العلمي القائم على المشاهدة والتجربة، وتدحض جميع ظواهره الدراسات العلمية المعتبرة. ما يجهله أو يتجاهله عن عمد دعاة وأدعياء الترويج لخرافات الحسد باسم العلم، أن الحقائق العلمية الثابتة عن طبيعة عمل عين الإنسان منذ اللحظة الأولى لاكتشاف الحسن بن الهيثم علم البصريات تذهب إلى كونها جهاز استقبال يرى البشر الأشياء من خلاله بسبب انعكاس الضوء من الأشياء على العين، وليس العكس. وإن كانت العين تُطلق أشعة غير مرئية قادرة على إلحاق الأذى بالآخرين فلماذا لا تستخدمها الجيوش بعمل اختبارات واسعة لمن يملكون قدرات من هذا النوع، لإلحاقهم بكتيبة تكون مهمتها النظر إلى طائرات وأسلحة العدو لتدميرها بعيونهم. أما وأن هذا غير ممكن علميًا ومنطقيًا وواقعيًا؛ كون العين لا تُطلق أشعة من الأصل، ولا تستطيع إلحاق الضرر بالآخرين، فعلي من يربط بين العين والحسد أن يراجع نفسه.