وفي إسناد الحديث ضعف. ينظر "السلسلة الضعيفة" للشيخ الألباني (6447) ، وينظر أيضا: " مسند أحمد " ، ط الرسالة (25/376-378). مبررات إسبانيا لطرد المسلمين سنة 1609م - أبو تاشفين المغربي - طريق الإسلام. وقوله ( لِيَهْنِ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمَّا أَصْبَحَ فِيهِ النَّاسُ) يعني: هنيئا لكم ما أنتم فيه من النعيم ومن كرامة الله ، في وقت توافدت على الناس فيه الفتن كقطع الليل المظلم ، فلو تعلمون ما نجاكم الله منه من تلك الفتن ، مع ما أصبحتم فيه من نعمة الله: لعلمتم عظيم فضل الله عليكم ، واصطفاءه إياكم ؛ حيث أصبحتم بفضله في هذا النعيم ، في حين أصبح الناس والفتن تقبل عليهم كقطع الليل المظلم ، يتبع أولها آخرها. وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب رضي الله عنه: ( لِيَهْنَ لكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ) رواه مسلم (810) وأبو داود. قال العيني رحمه الله: " ليَهْنِ ": من هَنُؤ الطعام يَهنؤ هَناءةً، أي: صَار هنيئًا " انتهى من "شرح أبي داود" (5 /376). والله تعالى أعلم.
كذلك أيضًا: لو أنَّ الإنسان أخلصَ في عمله، لكنه أتى ببدعةٍ ما شرعها الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فإنَّ عمله لا يُقبل حتى لو كان مخلصًا، حتى لو كان يبكي من الخشوع، فإنَّه لا ينفعه ذلك؛ لأنَّ البدعةَ وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها ضلالةٌ، فقال: «فإنَّ كلَّ مُحدثةِ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ». ثم قال: «فتنًا كقِطَعِ اللَّيل المظْلمِ» أخبر أنَّه ستوجد فتن كقطع الليل المظلم - نعوذُ باللهِ - يعني أنها مدلهمة مظلمة؛ لا يُرى فيها النور - والعياذُ باللهِ - ولا يدري الإنسان أين يذهب؛ يكون حائرًا، ما يدري أين المخرج، أسأل الله أن يعيذنا من الفتن. والفتنُ منها ما يكون من الشُّبهاتِ، ومنها ما يكون من الشَّهواتِ، ففتنُ الشبهات: كلُّ فتنةٍ مبنية على الجهل، ومن ذلك ما حصَلَ من أهل البدع الذين ابتدعوا في عقائدِهم ما ليس من شريعة الله، أو أهل البدع الذين ابتدعوا في أقوالهم وأفعالهم ما ليس من شريعة الله، فإن الإنسان قد يُفْتنُ - والعياذُ باللهِ - فيضلَّ عن الحقِّ بسببِ الشُّبهَةِ. شرح حديث إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم | Almuaatasim. ومن ذلك أيضًا: ما يحصلُ في المعاملات من الأمور المشتبهةِ التي هي واضحة في قلب الموقن، مشتبهةٌ في قلب الضَّالِ - والعياذُ باللهِ - تجده يتعامل معاملةً تَبيَّنَ أنَّها محرَّمة، لكنْ لما على قلبِه من رينِ الذنوبِ - نسألُ الله العافية - يشتبه عليه الأمر، فيزين له سوء عمله، ويظنُّه حسنًا، وقد قال الله في هؤلاء: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [الكهف: 103، 104]، فهؤلاء هم الأخسرون والعياذُ باللهِ.
وفي رِوايَة أبي داودَ: "قالوا: فمَا تَأمُرُنا؟ قال: كُونوا أحلاسَ بُيوتِكم"، والأحلاسُ جمْعُ حِلْسٍ، وهو كِساءٌ يَلي ظَهرَ البَعيرِ يُفرَشُ تحتَ القَتَبِ وهو رَحْلٌ صغيرٌ على قَدْرِ السَّنامِ، والمرادُ: الأمرُ بلُزومِ البيوتِ وعدمِ الخروجِ مِنها، وعدمِ الدُّخولِ في الفِتنةِ، وبيانُ أنَّ الصَّبرَ على الموتِ في الفِتنِ أحسنُ مِن الحركةِ والدُّخولِ فيها؛ لكونِ الحركةِ تَزيدُ الفتنةَ اشتِعالًا. وهذا إتمامٌ لِتَحذيرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ من المشارَكَةِ في الفِتنَة حتى لو كان فيها مَقتَلُه فليكنْ فيها المَقتولَ خَيرٌ من أنْ يكونَ فيها القاتِلَ. شرح حديث أبي هريرة: بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم. وفي الحديثِ: عَلامةٌ من عَلاماتِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. وفيه: التَّحذيرُ مِن الإيمانِ الذي يَشوبُه النِّفاقُ، والتَّحرُّزُ منه كُلَّما تَقدَّم الزَّمانُ. وفيه: التَّحذيرُ من الدُّخولِ في الفِتنِ الغامِضَةِ التي لا يَظهَرُ فيها الحَقُّ من الباطِلِ().
في ظني أن ابن خلدون لو كان عالم اجتماع؛ لما انتهى إلى هذه الخلاصة اليائسة، وأقفل على العرب باب التمدن والحضارة، وجعلهم حبيسين في سجنين؛ الأول سجن العرق والجنس، الذي لا أمل فيه، ولا بارقة أمل معه، والثاني سجن المذاهب والنحل، الذي جعلهم أمما مختلفة الآراء، وشعوبا متباعدة الظنون، وما دامت هذه هي نهاية العرب عند ابن خلدون، فما كان يُراد بهذا المصطلح حين يرد في حديثه؟ الذي أميل إليه، وأرى حديث الرجل متجها نحوه، أن العرب، بادية وحاضرة، كانوا مقصودين في أقواله، ومُرادين بما رماهم به، وإن كان حديثه أحيانا يتجه للبادية ويُريدها، ولعل ما سيرد من نصوصه يدل على هذا المعنى ويؤكده. يقول ابن خلدون في فصله السادس والعشرين (العرب إذا تغلّبوا على أوطان أسرع إليها الخراب): "والسبب في ذلك أنهم أمة وحشية.. وهذه الطبيعة منافية للعمران ومناقضة له، فغاية الأحوال العادية كلها عندهم الرحلة والتغلب، وذلك مناقض للسكون الذي به العمران، ومنافٍ له.. ولذلك صارت طبيعة وجودهم منافية للبناء الذي هو أصل العمران". من الظاهر الواضح هنا، أن ابن خلدون يريد العرب البُداة، ويتحدث عنهم، وحينها يكون مراده جزءا من العرب، وبعضا من ذلك العرق، ويرى فيهم هذا الرأي الذي قاله، ومال إليه، والغريب في الأمر أن قرونا ثمانية لم تُغيّر حال العرب البُداة، ولم تستطع أن تُبدل شيئا من طباعهم، وتُقلّم بعضا من خلالهم التوحشية، بل ظلّ الأخلاف، وهم الذين جرت لهم النقلة من الجزيرة العربية إلى غيرها، على صفات آبائهم وأجدادهم، وهذا ما يضطرني إلى رؤية ابن خلدون يائسا من صلاح الحال وانتقالها، وهي قضية يصعب قبولها من مؤرخ مُطّلع على أحوال البداة في التأريخ الإنساني، وباحث فيها حريص على إحصائها وتناولها بالدرس.