وقد يقال: ولو كانت للمجاوزة لصح أن يحل محلها (عن). هذا وقد أفادت الآية ورود اسم الفاعل بمعنى الصفة المشبهة في قوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ). الله نزل احسن الحديث كتابا متشابها. و(قاسية) اسم فاعل، ولكنها صفة مشبهة، لأنها دلت على صفة ثابتة فيهم، وهذه الصفة رفعت فاعلا وهو (قلوبهم)، وتقول القاعدة: إذا ورد اسم الفاعل أو اسم المفعول، ودلا على صفات ثابتة، فيعتبران: (صفة مشبهة)، مثل: (هذا رجل معتدل القامة) و(عليّ محمود السيرة).. إعراب الآية رقم (23): {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (23)}. الإعراب: (كتابا) بدل من أحسن (مثاني) نعت ثان لكتاب منصوب (منه) متعلّق ب (تقشعرّ)، (إلى ذكر) متعلّق ب (تلين) بتضمينه معنى تطمئنّ (به) متعلّق ب (يهدي)، الواو عاطفة (من) اسم شرط جازم في محلّ نصب مفعول به مقدّم عامله يضلل الفاء رابطة لجواب الشرط (ما) نافية مهملة (له) متعلّق بخبر مقدّم (هاد) مجرور لفظا مرفوع محلّا مبتدأ مؤخر، وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة فهو اسم منقوص.
والقرآن ربيع قلب المؤمن وتلاوته تجلو القلوب، قال صلى الله عليه وسلم: (إن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، فقيل يا رسول الله وما جلاؤها، فقال: تلاوة القرآن وذكر الموت)، وقراءة القرآن تفرق بين المؤمن والمؤمن، وبينهما وبين المنافق، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة: ريحها طيب، وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة: لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة: ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة: ليس له ريح وطعمها مر). شفيع قارئه والقرآن شفيع لقارئه يوم القيامة، ويومئذ يقال لصاحب القرآن: «اقرأ وارتقِ ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها»، وفي ذلك اليوم يرفع الله أقواماً ويضع آخرين، وقد خاب رجل ليس في جوفه شيء من القرآن، فهو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب). وفي الخبر أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا اجتمعوا أمروا أحدهم أن يقرأ سورة من القرآن، وقد كان عمر يقول لأبي موسى رضي الله عنهما: «ذكرنا ربنا» فيقرأ عنده حتى يكاد وقت الصلاة أن يتوسط فيقال: يا أمير المؤمنين الصلاة، الصلاة، فيقول: «أو لسنا في صلاة؟» إشارة إلى قوله عز وجل: (ولذكر الله أكبر).
قال ابن جرير: حدثني يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني يزيد بن يونس ، عن أبي صخر ، عن أبي معاوية البجلي ، عن سعيد بن جبير ، عن أبي الصهباء البكري ، أنه سمع عبد الله بن مسعود - وهو يسأل عن هذه الآية: ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله) - فقال عبد الله: الغناء ، والله الذي لا إله إلا هو ، يرددها ثلاث مرات. حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا صفوان بن عيسى ، أخبرنا حميد الخراط ، عن عمار ، عن سعيد بن جبير ، عن أبي الصهباء: أنه سأل ابن مسعود عن قول الله: ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث) قال: الغناء. وكذا قال ابن عباس ، وجابر ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، ومكحول ، وعمرو بن شعيب ، وعلي بن بذيمة. أحسن الحديث, كتابًا متشابهًا, ذكر الله, أعوام الوحي, سنوات الوحي, فترة الوحي, الإعجاز العددي. وقال الحسن البصري: أنزلت هذه الآية: ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم) في الغناء والمزامير. وقال قتادة: قوله: ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم): والله لعله لا ينفق فيه مالا ولكن شراؤه استحبابه ، بحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق ، وما يضر على ما ينفع. وقيل: عنى بقوله: ( يشتري لهو الحديث): اشتراء المغنيات من الجواري.