شكا رجل ضيق حاله ومعاشه... فقال له عالم حكيم: أتبيع بصرك بمئة ألف؟قال: لا فقال الحكيم: أتبيع سمعك بمئة ألف ؟ قال: لا فقال الحكيم: فأنت الغني بما لا يباع بثمن. 2 - إن النعم ابتلاء وامتحان: يقول تعالى: {فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمنِ وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهاننِ، كلا}.. [ الفجر: 15-17]. ولو كانت النعمة إكراما لكان الرسل أغنى الناس وأكثرهم أموالاً ولما كان للكفار شيء من الدنيا إطلاقا. 3 - النجاح في التعامل مع النعم: إن النجاح في التعامل مع النعم بأن يكون بشكر الله تعالى على هذه النعم، والشكر أقسام: أولاً - الشكر بالقلب: ويتحقق بالاعتقاد الجازم بأن كل النعم من الله وحده لا شريك له، قال تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله}.. [ النحل: 53]. ثانياً - الشكر باللسان: هو إظهار الشكر لله بالتحميد، و إظهار الرضا عن الله تعالى والتحدث بالنعم.
ذِكر النّعم تعرّفك بحق الخالق عليك: فالله تعالى أعطاك نعم لا تُعدَ ولا تُحصى، وبالمقابل عليك أن تشكر الله تعالى على هذه النّعم، ومن أهم صور شكر النّعم هي العبادة. ذكر النّعم يدفعك للاستغفار: فعندما تدرك حق ربك عليك، فإنك تستصغر ما تقدّمه من طاعات لله تعالى بل تستغفر ربك كثيرًا بعد القيام بهذه الطاعات. ذكر النّعم علاج للطغيان والكِبر: فعندما تتوالى النعم عليك فإن نفسك تعمل على دفعه للتكبر والطغيان والتجبّر على الخلق والشعور بالأفضليّة عليهم، لذلك فذكر النعم علاجًا فعالاً لمثل هذه الحالة. ذكر النّعم من الوسائل الفعّالة لعلاج جحود العبد وعدم رضاه عن حاله: فعندما ينظر العبد لما بين يد الآخرين من نعم ويتناسى فضل الله ونِعَمه عليه، فهذا من شأنه أن يجعله ساخطًا على وضعه وغير راضٍ عنه، ولكن بذكره لنعم الله تعالى سيرى بأن الله أعطاه الكثير من النِعَم والتي ربما حرم الآخرين منها فالذكر وسيلة فعالة جدًا لجحود العبد، وإذا أرادت أن تعرف أنعم الله تعالى عليك انظر لمن وضعه أقل من وضعك، ولا تنظر إلى من هو أعلى منك. ذِكر النّعم يورث حب الله في القلب: فكلما تذكّرت نعم لله تعالى عليك ازدادت مشاعر الحب تأججًا في قلبك ومن ثم الشوق إليه سبحانه وتعالى، فإذا ترجمت هذه المشاعر بكثرة الحمد والشكر والمناجاة لله فإن مشاعر الحب في القلب تزداد تجاه الله تعالى، مما يدفعك لطاعته وطاعة رسوله بسهولة ويسر وحب دون مجاهدة للنفس على ذلك.
ذات صلة موضوع تعبير عن نعم الله علينا ما هي نعم الله على الإنسان منّ الله علينا بكثيرٍ من النعم التي لا تعدّ، ولا تحصى، وقال الله عزّ وجلّ: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) [النحل:18] وأعظم نعم الله علينا خلق الإنسان في أحسن هيئةٍ، وهدايته لما يحبّ الله، ويرضى من أجل أن يعمل بتعاليم دينه، وينال رضا الله، وتوفيقه في الدنيا، والآخرة، والعبد الصالح هو الذي يشكر الله على كل نعمةٍ هو فيها حتى يزيده الله، ويبارك له في تلك النعم كما في قوله تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7]. إنّ نعم الله أنواع ألا وهي نعمةٌ حاصلة يعلم بها العبد ظاهرة عليه، ونعمةٌ منتظرة يرجوها العبد، ويسعى لينالها، ونعمة ٌهو فيها، ولا يشعر بها فكلّ شيء في حياة العبد مهما قلّ هو نعمة من الله عزّ وجل.
قال بعض السلف: " كُنْ لِنِعْمة الله عليك في دينك، أشْكَرُ منك لنعمةِ الله عليك في دُنْياك ". كمْ في الأرض مِنْ أُناسٍ يعبدون البقر والحجر، ومَنْ يعبدون الأولياء والأضرحة، فاحمد الله أن وفقك لعبادته وحده لا شريك له. فيا من بارزت ربك بالمعاصي والذنوب: ألا يستحق مَنْ متَّعك وفضلك بهذه النعم، أنْ تشكره عليها كلَّ يومٍ وفي كل حين؟! ألا تستحي -أيها العاصي- أنْ تعصيَه وقد أعطاك كلَّ ما تريد، كيف تعصيه بِنِعَمِه، تَنْظُرُ إلى الحرام وغيرُك قد سُلب النَّظر، تَسمع إلى الغيبة والنميمة والغناء، وغيرُك قد حُرِم نعمةَ السمع، تعصيْه بالزنا والخنا، وغيرُك قد شُلَّت جوارحه، وتعطَّلت أركانه. جاء رجلٌ إلى إبراهيمَ بنِ أدهم -رحمه الله-، فقال له:" إن نفسي تراودني المعصية، ولا أستطيع كَبْح جماحها، فهل من مخرج؟! قال: نعم، سأدلك على طريْقةٍ تَعْصِيْه وتفعلُ ما تشاء، ولا يُحاسبك ولا يُعاقبك، فتعجَّب وقال: كيف لي بذلك؟! فقال له -واسْمع يا مَن تعصي ربك ليل نهار- قال له: "إذا أردت أن تعصيَ الله فلا تأكل من رزقه"، قال: يا إمام: وكيف لا آكل من رزق الله، وكلُّ ما في الأرض لله، والأرضُ ملكه، والسماء سماؤه؟! فقال له: "تريد أن تأكل من رزقه وتعصيْه؟!
والبحر مخلوق لنا أيضاً ، وفي خلقه على ما هو عليه ما يحقق لنا الشيء الكثير ( وهو الذَّي سخَّر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حليةً تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلَّكم تشكرون) [ النحل: 14]. والنحل خلقه الله ليقوم بذلك العمل الرائع ، لينتج لنا ذلك الشراب المختلف الألوان ، ليتغذى به البشر ، ويكون لهم شفاء ( وأوحى ربُّك إلى النَّحل أن اتَّخذي من الجبال بيوتاً ومن الشَّجر وممَّا يعرشون – ثمَّ كلى من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللاً يخرج من بطونها شرابٌ مختلفٌ ألوانه فيه شفاءٌ للنَّاس إنَّ في ذلك لأيةً لقومٍ يتفكرون) [النحل: 68-69]. التعرف على الله من خلال آياته الكونية سبيلٌ حثَّ عليه القرآن: حث القرآن عباد الله على النظر في آيات الله الكونية: الأرض ، والسماء ، وما فيهما وما بينهما ، وجعل النظر والتأمل في ذلك من الذكرى التي تنفع المؤمنين. وقد أعجبني تسمية بعض المعاصرين لهذا المنهج ( بقانون السير والنظر) لكثرة حث الآيات القرآنية على ذلك ، وقد يكون السير والنظر حسيّان ، فيسير المرء بقدميه ، وينتقل من بلد لآخر ، كما قد يكون النظر بالبصر ، وقد يكونان بالفكر والعقل.
وهكذا نحفظ النعمة التي رزقنا الله إياها فتحفظنا، ونعوذ بالله تعالى من كفران النعم: ﴿ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ البقرة: 212. وقال تعالى محذرا من تبديل النعم: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ، جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ ﴾ إبراهيم: 28، 29. وضرب الله تعالى لنا مثلاً واضحا ليحذر من كفران النعم: ﴿ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ﴾ النحل: 112. ولا شك أن الأجهزة الحديثة من جوالات وحاسبات آلية وغيرها هي نعمة كبيرة من الله عز وجل، سهلت علينا كثيراً في إنجاز أعمالنا واستذكار الدروس للطلاب، والتواصل مع الأهل والأصدقاء والتعلم والمعرفة، وتثقيف الذات وغيرها من الفوائد الكثيرة التي يصعب حصرها. وشكر هذه النعمة يكون باستخدامها فيما يرضي الله عز وجل من صلة رحم، ومطالعة مفيدة وفي كل ما ينفعنا ويضيف إلينا الجديد، ولا يجب بحال أن نسيء استخدام هذه النعمة، فتتحول إلى نقمة وأداة هدم؛ فلا نسرف في الجلوس إلى هذه الأجهزة الحديثة فنضيع واجبات كان يجب علينا أداؤها، ولا نسهو في جلستنا إليها، فنضيع صلواتنا وعباداتنا، ولا يجب بحال أن تستخدم في رؤية ما يغضب الله عز وجل من فيديوهات وصور وأفلام إباحية؛ فلا يليق بالمسلم أن يكون هذا سلوكه مع الله الذي أنعم عليه بكل هذه النعم الجمة.