والحجة للأول قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري: تقول المرأة إما أن تطعمني وإما أن تطلقني فهذا نص في موضع الخلاف. والفرقة بالإعسار عندنا طلقة رجعية خلافا للشافعي في قوله: إنها طلقة بائنة ؛ لأن هذه فرقة بعد البناء لم يستكمل بها عدد الطلاق ولا كانت لعوض ولا لضرر بالزوج فكانت رجعية ، أصله طلاق المولي. الثالثة: قوله تعالى: أو سرحوهن بمعروف يعني فطلقوهن ، وقد تقدم. ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا روى مالك عن ثور بن زيد الديلي: أن الرجل كان يطلق امرأته ثم يراجعها ولا حاجة له بها ولا يريد إمساكها ، كيما يطول بذلك العدة عليها وليضارها ، فأنزل الله تعالى: ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه يعظهم الله به. وقال الزجاج: فقد ظلم نفسه يعني عرض نفسه للعذاب ؛ لأن إتيان ما نهى الله عنه تعرض لعذاب الله. وهذا الخبر موافق للخبر الذي نزل بترك ما كان عليه أهل الجاهلية من الطلاق والارتجاع حسب ما تقدم بيانه عند قوله تعالى: الطلاق مرتان. قال تعالى ( ولا تمسكوهن ضرارآ لتعتدوا - عالم الاجابات. فأفادنا هذان الخبران أن نزول الآيتين المذكورتين كان في معنى واحد متقارب وذلك حبس الرجل المرأة ومراجعته لها قاصدا إلى الإضرار بها ، وهذا ظاهر. الرابعة: قوله تعالى: ولا تتخذوا آيات الله هزوا معناه لا تتخذوا أحكام الله تعالى في طريق الهزو بالهزو فإنها جد كلها ، فمن هزل فيها لزمته.
إن الحق عز وجل يمتن على المؤمنين ليلفت نظرهم إلى حالتهم قبل الإسلام؛ فقد كان الرجل يطلق امرأته ويعيدها، ثم يطلقها ويعيدها ولو ألف مرة دون ضابط أو رابط. وكان يحرم عليها المعاشرة الزوجية شهوراً ويتركها تتعذب بلوعة البعد عنه، ولا تستطيع أن تتكلم. وكانت المرأة إذا مات زوجها تنفى من المجتمع فلا تظهر أبداً ولا تخرج من بيتها وكأنها جرثومة، وقبل ذلك كله كانت مصدر عار لأبيها، فكان يقتلها قبل أن تصل إلى سن البلوغ بدعوى الحرص على عرضه وشرفه. ايات القران التي تتكلم عن: الطلاق. باختصار كان الزواج أقرب إلى المهازل منه إلى الجد، فجاء الإسلام، فحسم الأمور حتى لا تكون فوضى بلا ضوابط وبلا قوانين. فاذكروا أيها المؤمنون نعمة الله عليكم بالإسلام، وانظروا إلى ما أنعم به عليكم من نظام أسري يلهث العالم شرقه وغربه ليصل إلى مثله. كنتم أمة بلا حضارة وبلا ثقافة، تعبدون الأصنام وتقيمون الحرب وتشعلونها بينكم على أتفه الأسباب وأدونها، وتجهلون القراءة والكتابة، ثم نزل الله عليكم هذا التشريع الراقي الناضج الذي لم تصل إليه أية حضارة حتى الآن. أَلاَ تذكرون هذه النعمة التي أنتم فيها بفضل من الله؟ لذلك قال سبحانه: {واذكروا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الكتاب والحكمة يَعِظُكُمْ بِهِ} والكتاب هو القرآن، والحكمة هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويقول تعالى: (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ... ) [البقرة:231]. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "لا ضرر ولا ضرار" رواه أحمد وصححه الألباني. أما إذا لم يطلق الزوج، ولم يحكم القاضي أو من يقوم مقامه بالطلاق، فإن العلاقة الزوجية وما يترتب عليها من آثار تظل قائمة ما دام الزوج حياً أو في حكم الأحياء ولو هجر الزوجة سنين. والله أعلم.
الثانية: قوله تعالى: فأمسكوهن بمعروف الإمساك بالمعروف هو القيام بما يجب لها من حق على زوجها ، ولذلك قال جماعة من العلماء: إن من الإمساك بالمعروف أن الزوج إذا لم يجد ما ينفق على الزوجة أن يطلقها ، فإن لم يفعل خرج عن حد المعروف ، فيطلق عليه الحاكم من أجل الضرر اللاحق لها من بقائها عند من لا يقدر على نفقتها ، والجوع لا صبر عليه ، وبهذا قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد ويحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي ، وقاله من الصحابة عمر وعلي وأبو هريرة ، ومن التابعين سعيد بن المسيب وقال: إن ذلك سنة. إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة البقرة - القول في تأويل قوله تعالى " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا "- الجزء رقم5. ورواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقالت طائفة: لا يفرق بينهما ، ويلزمها الصبر عليه ، وتتعلق النفقة بذمته بحكم الحاكم ، وهذا قول عطاء والزهري ، وإليه ذهب الكوفيون والثوري ، واحتجوا بقوله تعالى: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ، وقال: وأنكحوا الأيامى منكم الآية ، فندب تعالى إلى إنكاح الفقير ، فلا يجوز أن يكون الفقر سببا للفرقة ، وهو مندوب معه إلى النكاح. وأيضا فإن النكاح بين الزوجين قد انعقد بإجماع فلا يفرق بينهما إلا بإجماع مثله ، أو بسنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا معارض لها.
وقوله: ( ولا تتخذوا آيات الله هزوا) قال ابن جرير: عند هذه الآية: أخبرنا أبو كريب ، أخبرنا إسحاق بن منصور ، عن عبد السلام بن حرب ، عن يزيد بن عبد الرحمن ، عن أبي العلاء الأودي ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي موسى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب على الأشعريين ، فأتاه أبو موسى فقال: يا رسول الله ، أغضبت على الأشعريين ؟! فقال: يقول أحدكم: قد طلقت ، قد راجعت ، ليس هذا طلاق المسلمين ، طلقوا المرأة في قبل عدتها ". ثم رواه من وجه آخر عن أبي خالد الدالاني ، وهو يزيد بن عبد الرحمن ، وفيه كلام. وقال مسروق: هو الذي يطلق في غير كنهه ، ويضار امرأته بطلاقها وارتجاعها ، لتطول عليها العدة. وقال الحسن ، وقتادة ، وعطاء الخراساني ، والربيع ، ومقاتل بن حيان: هو الرجل يطلق ويقول: كنت لاعبا أو يعتق أو ينكح ويقول: كنت لاعبا. فأنزل الله: ( ولا تتخذوا آيات الله هزوا) فألزم الله بذلك. وقال ابن مردويه: حدثنا إبراهيم بن محمد ، حدثنا أبو أحمد الصيرفي ، حدثني جعفر بن محمد السمسار ، عن إسماعيل بن يحيى ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال: طلق رجل امرأته وهو يلعب ، لا يريد الطلاق; فأنزل الله: ( ولا تتخذوا آيات الله هزوا) فألزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الطلاق.