فالهدف المعلن للمشروع كما يبدوا حتى الآن، هو "التركيز على المشترك بين الديانات والتغاضي عن ما يمكن أن يسبب نزاعات وقتالا بين الشعوب". وأستطيع أن أتفهم موقف فضيلة الشيخ، أحمد الطيب، وغيره من رجال الدين، ولكن من المهم إيضاح نقطة هامة جدا في هذا المقام لأنها- أي هذه النقطة- قد تغير مفاهيم كثيرة عن ما يسميه البعض بالديانة الإبراهيمية. فحقيقة الأمر أن التعبير أو المصطلح الذي تم استخدامه لوصف هذه الفكرة، وكان باللغة الإنجليزية هو تعبير "إبراهاميك فيث"، وليس "إبراهاميك ريليجن"، وشتان بين التعبيرين، فالأول منهما وهو "فيث"، يعني عقيدة أو ملة إبراهيم، أما التعبير الآخر- والذي لم يستخدمه إطلاقا أصحاب الفكرة- هو تعبير "ريليجن"، ويعني "الدين" بأركان وعقيدة ومنهج متكامل. فالصراع المحتدم الآن، ليس له في الحقيقة أي أساس لأن تعبير "فيث"، لا يعني ديانة على الإطلاق بل يعني ملة! ولذا فلنا هنا وقفة أمام ملة إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء. ما هي ملة ابراهيم الاخضر. فملة إبراهيم كما ذكرها القرآن الكريم هي ملة العقل والوصول إلى الله من خلال الفكر. فنرى في قصة إبراهيم، على سبيل المثال لا الحصر، أنه وصل إلى الله بفكره وباستخدام العقل ـ حتى وإن أضله في وقت من الأوقات- فعبد كوكبا في مرحلة ما، ثم عبد القمر، ثم عبد الشمس، ثم وصل بعد ذلك لحقيقة الإله الواحد، أي أن إبراهيم مر بمراحل من الشك قبل أن يصل إلى الإيمان.
منذ بضعة أيام، وفي كلمته في إطار الاحتفال بالذكرى العاشرة لتأسيس "بيت العائلة المصرية"، تحدث شيخ الأزهر الإمام الأكبر، أحمد الطيب، عن "الديانة الإبراهيمية"، وهاجمها ووصفها بـ"أضغاث الأحلام"، وقد أحيا الإمام الفاضل بذلك جدلا يثار ويخبو منذ أكثر من عام عبر وسائل التواصل الإجتماعي المختلفة. ما هي ملة إبراهيم عليه السلام – عرباوي نت. ولم يقف أمر نقد الديانة الإبراهيمية والتحذير منها عند فضيلة شيخ الأزهر فحسب، بل شاركه فيه أيضا أعضاء أجلاء من الديانة المسيحية، فقد أعلن القمص، بنيامين المحرقي، الأستاذ بالكلية الإكليريكية بالأنبا رويس أيضا، رفضه الدعوة إلى الديانة الإبراهيمية، لأنها - كما وصفها - دعوة مسيسة تحت مظهر مخادع واستغلال الدين. وقد أعلن الشيخ الطيب رفض الدعوة إلى "الديانة الإبراهيمية الجديدة" وتساءل في خطابه عما إذا كان المقصود من هذه الدعوة هو "تعاون المؤمنين بالأديان على ما بينها من مشتركات وقيم إنسانية نبيلة، أو المقصود صناعة دين جديد، لا لون له ولا طعم ولا رائحة" حسب تعبيره. وقال الشيخ الطيب إن الدعوة لـ"الإبراهيمية" "تبدو في ظاهر أمرها دعوة للاجتماع الإنساني والقضاء على أسباب النزاعات والصراعات، وهي في الحقيقة دعوة إلى مصادرة حرية الاعتقاد وحرية الإيمان والاختيار".
رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). ومن أصول التوحيد التي دعا إليها إبراهيم عليه السلام وأمر الله تعالى أن نقتدي به فيها هو أصل الولاء والبراء، الولاءُ لله ولأجل الله، والبراءُ من الشرك وأهلِهِ، قال سبحانه: (قدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إبْرَاهِيمَ والَّذِينَ مَعَهُ إذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إنَّا بُرَآءُ مِـنـكُمْ ومـِـمَّــا تَـعْـبُـدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وبَدَا بَيْنَنَا وبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ والْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وحْدَهُ(. هذه دعوة إبراهيم عليه السلام وهذه ملته التي أمرنا باتباعها، اقرأوا قصصه في القرآن وما دار بينه وبين قومه، وكيف أنه كان داعيا إلى الله وعبادته وحده لا شريك له، قائما بالتوحيد، تاركا للشرك والتنديد، ثابتا عليه مع أن قومه ألقوه في النار، فهذا الذي يجب اتباعه وهو الذي يجب فهمه من ملة إبراهيم ودعوته. ما هي الحنفية ملة إبراهيم؟ وهل هي الإسلام نفسه؟. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.