لكن القيصر فعلها، وأوقع نفسه وبلاده والعالم في أكثر الأزمات تعقيداً بعد الحرب العالمية الثانية. بعد انطلاق الهجوم الروسي كان باستطاعة رجل واحد إنقاذ أوروبا والعالم من عودة أشباح الحرب العالمية الثانية. كان باستطاعته إنقاذ القيصر وصورته وبلاده. كان زيلينسكي يحتاج إلى استيلاء الخوف على روحه وجسده ليسلم بشروط موسكو، أو أن يغادر ليترك لرجل آخر مهمة توقيع ما يشبه الاستسلام. وربما كان يمكن أن ينقذ القيصر لو قُتل في الطلقات الأولى وقفز الجيش لتطبيق الحل الروسي كما اشتهى بوتين. لم يفعل. فاجأ مواطنيه وفاجأ العالم. بالقميص الزيتوني أطل. انتخابات فرنسا قد تحمل مفاجآت.. لوبن معتدلة أمام زمور!. قال للزعماء الغربيين المتصلين إنه يحتاج «إلى ذخائر، لا إلى بطاقة سفر». سخر الرئيس اليهودي من حديث بوتين عن مطاردة النازيين. أحرج البيت الأبيض وكل زعماء الغرب. أوقع صورة بوتين في النار التي أضرمها ومشاهد البيوت المحروقة وقوافل اللاجئين. اكتسب زيلينسكي شرعية المقاومة، وتحول بطلاً في نظر كثير من مواطنيه. بتصريحاته التي تذكر الغرب بمسؤولياته والخطر الذي يحدق بجيران بلاده، بدا زيلينسكي في صورة من يطلق النار على «فلاديمير الكبير» الذي لا يفتقر إلى صورة البطل لدى جمهور واسع في بلاده.
عندما استرجع بوتين شبه جزيرة القرم في 2014، لم يكن العالم يعرف شيئاً عن زيلينسكي، ولم يكن مضطراً. وحين أنزل سيد الكرملين في السنة التالية قواته في سوريا، كان الممثل الأوكراني يأسر المشاهدين بدوره في الموسم الأول من مسلسل «خادم الشعب». في المسلسل، جسّد زيلينسكي دور مدرس تاريخ بسيط تسلق السلم الاجتماعي تدريجياً حتى صار رئيساً للجمهورية بعد استخدام كلمات نابية ضد الفساد. وفي 2018 وبعد نجاح المسلسل، قرر زيلينسكي الانخراط في السياسة. كلمات ابتعد عني طلال مداح. وفي السنة التالية حملته الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي إلى قصر الرئاسة. واللافت أن السيد الرئيس بذل جهداً لتحسين لغته الأوكرانية، ذلك أنه ولد في منطقة أوكرانية يتحدث معظم سكانها الروسية. لم يكن الانضمام إلى حلف «الناتو» مشروعاً ملحاً بالنسبة إلى الرئيس الذي قال إن الخطوة يجب أن يسبقها استفتاء. وكان من الصعب عليه معالجة الجروح الانفصالية في الخريطة، لأن طريق الحل تمر في موسكو. الصدفة التي دفعت زيلينسكي إلى قصر الرئاسة أوقعته في منعطف شديد الخطورة. كان معظم العواصم تعتقد أن مناورات الجيش الروسي لن تتعدى التخويف لانتزاع تنازلات. ولم يصدق كثيرون ما راحت واشنطن تردده عن «الغزو الوشيك» مرفقاً بالمواعيد.