الإجابــة الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فقد سبق أن بينا أن من العلماء من ذهب إلى أن الكفار مستثنون من المرور على الصراط ويدخلون النار قبل أن يضرب الصراط فوق النار، لحديث أبي سعيد الخدري في الصحيحين، وانظره في الفتوى رقم: 113802 ، عن أحوال الخلق في الوزن وعلى الصراط، ففيها مزيد بيان. وعلى هذا القول، فإنه لا تعارض بين كونهم يدخلون النار قبل ضرب الصراط وبين الآيات الكريمات التي ذكرتها، وهي قوله تعالى: كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ {الملك:8}. وقوله تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا {الزمر:71}. الدرر السنية. فإنهم يساقون إليها ويلقون فيها قبل أن يُجعل الصراط جسرا فوق جهنم، نسأل الله أن يعفو عنا وعن جميع المسلمين ونعوذ به من سخطه وعقابه. وأما الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار: فإننا بعد البحث لم نقف على ما يدل على أنه يفعل بهم ذلك قبل نصب الصراط أم أنهم يمرون عليه، ولم نقف على كلام لأهل العلم حول ذلك, والوارد فيهم أنهم أول من تُسعر بهم النار، ومعنى كلمة: تُسَعَّر ـ توقد وتهيج، نسأل الله السلامة والعافية، وانظر الفتوى رقم: 159227 ، عن أقوال العلماء في معنى الورود على النار التي جاءت به الآية الكريمة في سورة مريم.
واشتد تحذير السلف من الرياء، وذمُّوه ذماً بليغاً؛ فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينظر إلى رجل يطأطئ رقبته، فيقول له: يا صاحب الرقبة: ارفع رقبتك، ليس الخشوع في الرقاب، إنما الخشوع في القلوب. أول من تسعر النار بهم. وقال علي رضي الله عنه: "للمرائي ثلاث علامات: يكسل إذا كان وحده، وينشط في الناس، ويزيد في العمل إذا أثنى عليه، ويُنقص إذا ذُم به"، وهذا أبو أمامة الباهلي يأتي على رجل وهو ساجد يبكي في سجوده يدعو فيقول له: أنت! أنت لو كان هذا في بيتك. وقال الحسن البصري رحمه الله: "المرائي يريد أن يغلب قدر الله فيه، هو رجل سوء يريد أن يقول للناس هو صالح، فكيف يقولون وقد حَلَّ من ربه محل الأردياء" 8. وقال بعض الحكماء: مثل من يعمل رياء وسمعة كمثل من ملأ كيسه حصى، ثم دخل السوق ليشتري به، فإذا فتحه بين يدي البائع افتضح وضرب به وجهه، فلم يحصل له به منفعة سوى قول الناس: ما ملأ كيسه، ولا يُعطى به شيئاً، فكذلك من عمل للرياء والسمعة لا منفعة له في عمله سوى مقالة الناس، ولا ثواب له في الآخرة قال تعالى: { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً}(الفرقان:32) أي يبطل ثواب الأعمال التي قصد بها غير ربه تعالى، وتصير كالهباء المنثور وهو الغبار الذي يُرى في شعاع الشمس 9.
فينبغي للمؤمن أن يهتمَّ بالإخلاص لله في أعماله، وأن يَحْذر الرياء فإنه أخفى من دبيب النمل، وليسْتَعِن بالله على تطهير قلبه منه، وليرق نفسه بهذه الرقية من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها إن أُخِذَتْ بصدق نفعت صاحبها بإذن الله تعالى جاء عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: ((يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل)) فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نَتَّقِيه وهو أَخْفَى من دبيب النَّمْل يا رسول الله؟ قال: ((قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه))10. فواجب علينا جميعاً أن نخلص العمل، ونحذر الرياء وكل ما يخل أو ينقص أجر العمل، نسأل الله أن يجعل أعمالنا كلها صالحة، وأن يجعلها لوجهه خالصة. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ____________________________________ 1 حلية الأولياء (8/95) لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، دار الكتاب العربي - بيروت، ط. اول من تسعر بهم النار يوم القيامة اسلام ويب. الرابعة (1405هـ). 2 مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة (ص64) لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة، ط.
وهَذا بِعلْمِ اللهِ بحقيقةِ ما كَانَ في قلْبِه "وتقولُ له الملائكةُ: كذبْتَ! " وهذا تصديقٌ مِنَ الملائكةِ للهِ تعالى، "ويقولُ اللهُ: بلْ أردْتَ أنْ يُقال: فُلانٌ جريءٌ"، أي: ليتحَدَّثَ النَّاسُ، ويقولوا عنكَ: إنَّك شُجاعٌ، "فقد قيل ذلك"، أي: قال النَّاسُ ذلك، واستوفيْتَ ما طلبْتَ، فكانَ ذلِكَ جزاءَكَ في الدُّنيا؛ فلا أجْرَ لك عندي. قال أبو هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه: "ثمَّ ضرَبَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على رُكْبتي، فقال: يا أبا هُريرةَ، أولئك الثَّلاثةُ أوَّلُ خلْقِ اللهِ تُسعَّرُ بهم النَّارُ"، أي: تَشتعِلُ عليهم النَّارُ "يومَ القيامةِ". وقيل: إنَّما كان هؤلاء الثَّلاثةُ أوَّلَ خلْقِ اللهِ تعالى تُسعَّرُ بهم النَّارُ؛ لكونِ هذه العِباداتِ (الجهاد، وتعلُّم القُرآنِ وتَعليمه، والإنفاق) رَفيعةَ القدْرِ عندَ اللهِ تعالى؛ فلمَّا لم يَبتَغِ أصحابُها بها وجْهَ اللهِ تعالى، بلْ طلَبوا بها العاجِلَ في الدّنْيَا، وآثَروا الفانِيَ فيها على الباقي في الآخِرةِ؛ فجازاهم اللهُ تعالى بأنْ جعَلَهم أوَّلَ مَن تُسعَّرُ بهم النَّارُ؛ إذ العِقابُ على قدْرِ عِظَمِ الجُرْمِ. وفي الحديثِ: التَّحذيرُ من الرِّياءِ، وبَيانُ شِدَّةِ عُقوبتِه.
عن اسلام. ويب