الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا أفمن الكبر ذاك ؟ فقال: " لا ، إن الله جميل يحب الجمال ، ولكن الكبر بطر الحق وغمط الناس ". فأخبر ﷺ أن الله يحب التجمل في اللباس الذي لا يحصل إلا بالغنى ، وأن ذلك ليس من الكبر. وفي الحديث الصحيح: " ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: فقير مختال ، وشيخ زان ، وملك كذاب". وكذلك الحديث المروي: " لا يزال الرجل يذهب بنفسه، ثم يذهب بنفسه، ثم يذهب بنفسه، حتى يكتب عند الله جبارا، وما يملك إلا أهله" فعلم بهذين الحديثين: أن من الفقراء من يكون مختالا ، لا يدخل الجنة ، وأن من الأغنياء من يكون متجملا غير متكبر، يحب الله جماله ، مع قوله ﷺ في الحديث الصحيح: " إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ". ومن هذا الباب قول هرقل لأبي سفيان: أفضعفاء الناس اتبعه أم أشرافهم ؟ قال: بل ضعفاؤهم ، قال: وهم أتباع الأنبياء ، وقد قالوا لنوح: ( أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ) [ الشعراء: 111] فهذا فيه أن أهل الرئاسة والشرف يكونون أبعد عن الانقياد إلى عبادة الله وطاعته ، لأن حبهم للرئاسة يمنعهم ذلك بخلاف المستضعفين ، وفي هذا المعنى الحديث المأثور- إن كان محفوظا – " اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا ، واحشرني في زمرة المساكين ".
ما معنى أن الله يحبّ الجمال ما معنى حديث إن الله جميل يحبّ الجمال ، ما هو المقصود بالجمال خصوصا وأن بعض الناس يستدل بهذا الحديث على جواز النظر إلى النساء الجميلات وجواز الاستمتاع بكل شيء جميل ، هل من توضيح. الحمد لله الحديث المذكور في السؤال قد أخرجه مسلم في صحيحه رقم 131 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ.
ليس المقصود بالحديث هنا جمال الصورة والمنظر فليس كمثل الله شيء في الأرض ولا في السماء ، كذلك لا يحاسبنا الله صورتنا يوم القيامة ولكن يحاسبنا على أعمالنا ونوايانا، فيجب علينا أن نجمل ألسنتنا بالصدق وقلوبنا بالإخلاص وبمحبته سبحانه والتوكل عليه والإنابة إليه، وكذلك نجمل جوارحنا بالطاعة وإظهار نعم الله علينا وأداء شكرها والمحافظة علي النظافة في الثوب والبدن لأن الله سبحانه وتعالي جميل يحب الجمال في القول والعمل
أيها المؤمنون: وإن من الجمال أن يبتعد المرء عن الحرام والآثام؛ فإن الحرام والآثام والمعاصي والذنوب تُفقِد المرء جماله وزينته وحُسنه، وبحسب وقوع العبد في المعاصي والذنوب يفقد المرء من الزينة والجمال بحسب ما ارتكب من العصيان واقترف من الآثام. أيها المؤمنون: وإن من الجمال الذي يحبه الله عناية المرء بسنن الفطرة التي بيَّنها الرسول -عليه الصلاة والسلام-؛ فإن إزالة الشعور المكروهة كنتف الإبط وحلق العانة وجز الشارب، وكذلك قلم الأظفار، ونحو ذلك من سنن الفطرة؛ كل ذلكم من جمال المرء وزينته ومما يحبه الله -تبارك وتعالى- من عباده المؤمنين. عباد الله: وإن من الجمال أن يُرى على العبد أثر نعمة الله عليه كما جاء في الحديث في الترمذي وغيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " إِنَّ اللَّهَ يُحِبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ "، وجاء في الترمذي وغيره عن مالك بن عوف -رضي الله عنه- قال: "رَآنِي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رَثَّ الثِّيَابِ، فَقَالَ: " هَلْ لَكَ مِنْ مَالٍ ؟" قُلْتُ: نَعَمْ مِنْ كُلِّ الْمَالِ، قَالَ: " فَإِذَا آتَاكَ اللَّهُ مَالًا فَلْيُرَ أَثَرُهُ عَلَيْكَ ".
لا تبت في فراشك الليلة، سبحان الله العظيم!
يقول بعض العلماء: لو قيل: إن هذا الحديث نصف الإسلام، أو قال: هو الإسلام -لأنه يجمع للإنسان أطراف كل الفوائد والمعارف- لما كان في ذلك مبالغة. معنى قوله: (رفعت الأقلام وجفت الصحف)
وَنَافِخُ الكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً. قال القاضي عياض في إكمال المعلم بفوائد مسلم: فيه تجنب خلطاء السوء، ومجالسة الأشرار وأهل البدع والمغتابين للناس؛ لأن جميع هؤلاء ينفذ أثرهم إلى جليسهم، والحضّ على مجالسة أهل الخير، وتلقي العلم والأدب، وحسن الهدي والأخلاق الحميدة. انتهى. وقال الطيبي في شرح مشكاة المصابيح: قيل: فيه إرشاد إلى الرغبة في صحبة الصلحاء والعلماء ومجالستهم؛ فإنها تنفع في الدنيا والآخرة، وإلى الاجتناب عن صحبة الأشرار والفساق؛ فإنه تضر دينًا ودنيا. قيل: مصاحبة الأخيار تورث الخير، ومصاحبة الأسرار تورث الشر، كالريح إن هبت على الطيب عقبت طيبًا، وإن مرت على النتن حملت نتنًا. وقيل: إذا جالست الحمقى علق بك من حماقتهم ما لا يعلق بك من العقل إذا جلست العقلاء؛ لأن الفساد أسرع إلى الناس، وأشد اقتحامًا في الطبائع. التفريغ النصي - شرح الأربعين النووية - الحديث التاسع عشر [2] - للشيخ عطية محمد سالم. انتهى. ومن أعظم ما يحفظ العبد من شياطين الإنس والجن أن يعتصم بالله تعالى، ويستعين به، وبدعائه، وبذكره -تعالى-، لا سيما أذكار الصباح والمساء؛ فهي أمان للعبد، وحفظ له من شياطين الإنس والجن جميعًا. وراجع الفتويين التاليتين: 11882 ، 221917.