بقلم: مصطفى أيتوعدي لِعُلُوّ كعب أدبهم و سمو أخلاقهم, يتحاشون أن يتحدثوا إليك مباشرة أمام الملأ و لذلك يخبرونك بطرق غير مباشرة أن تلتزم الصمت أو أن ترحل, لأن رأيك لا يهمهم, هذا البلد لهم و قد ورثوه عن أجدادهم فمن تكون أنت لتدلي برأيك في طريقة تسييرهم و تدبيرهم لبلدهم. "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد"..هذا تفاصيل ما حدث. أنت مجرد خادم يريد أن يعيش, و يخدمهم ببطنه فقط, و الخدم لا حق لهم في إبداء الرأي, هم ينفذون آراء السادة و لا يعملون عقولهم في تحليل الآراء و تصنيفها في خانتي الخطأ و الصواب, فهذا العمل ليس لهم و لا يعتبر من جملة اختصاصاتهم. ماذا تملك أيها المواطن كي تدرج اسمك في لائحة ملاكي البلد, أنت نكرة و ليس لك من الأمر شيء, فلماذا تحشر أنفك في قضايا لا تخصك, أنت موجود هنا لتنفيذ ما يريدون و لست هنا لإبداء الرأي أو انتقاد مخططاتهم. ألا ترى مصير من سبقوك في انتقادهم؟؟, ألم تَعتبر بعد؟؟, هم يسجنون كل من يفضح الفساد أو ينتقده, و ينعمون بأفضالهم على المفسدين و الخونة و المجرمين, بفعلهم هذا يطلبون منك أن تكون مفسدا في حال أردت أن تعيش بكرامة, أما العيش بضمير نقي فلا مانع عندهم طالما أنت صامت, و إن أنت تكلمت فلن يدخروا جهدا لتكدير صفو حياتك و حياة أهلك.
وأبشروا أيها المظلومون بقول رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يُمْلِي لِلظَّالِمِ"، وفي رواية: (يمهل) "فَإِذَا أَخَذَهُ، لَمْ يُفْلِتْهُ»، ثُمَّ قَرَأَ قوله سبحانه: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}، (هود: 102). سنن ابن ماجه … ونبرأ إلى الله من المعاصي والبدع، وكلِّ ما فيه اعتراض على قضاء الله وقدره ، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم ( وَجِعَ أَبُو مُوسَى وَجَعًا فَغُشِىَ عَلَيْهِ وَرَأْسُهُ فِي حَجْرِ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ فَصَاحَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِهِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا شَيْئًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا بَرِئَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ)…. ونبرأ إلى الله من الكبر والين والغلول ، ففي مسند أحمد (عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ فَارَقَ الرُّوحُ الْجَسَدَ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ ثَلاَثٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ الْكِبْرِ وَالدَّيْنِ وَالْغُلُولِ » ….
ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبي طالب فقال: "يا علي اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك"، فخرج عليّ حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفع لهم دية الدماء وما أصيب لهم من الأموال حتى إنه دفع لهم ثمن إناء الكلب الذي يشرب فيه، حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال، بقيت معه بقية من المال، فقال لهم علي حين فرغ منهم: هل بقي لكم دم أو مال لم يود لكم؟ قالوا لا، قال فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال احتياطا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما لا يعلم ولا تعلمون. ففعل ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر، فقال "أصبت وأحسنت"، ثم قام الرسول فاستقبل القبلة قائمًا شاهرًا يديه حتى إنه ليرى ما تحت منكبيه يقول "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد"، ثلاث مرات. أراد خالد بن الوليد نصرة الإسلام وأهله، وإن كان قد أخطأ في أمر واعتقد أنهم ينتقصون الإسلام بقولهم: "صبأنا صبأنا"، ولم يفهم عنهم أنهم أسلموا فقتل طائفة كثيرة منهم وأسر بقيتهم، وقتل أكثر الأسرى أيضا، ومع هذا لم يعزله رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل استمر به أميرًا وإن كان قد تبرأ منه في صنيعه ذلك، ودفع ما كان جناه خطأ في دم أو مال.
سنن ابن ماجه: ( فالله أوجب الوفاء بالعهود، والأمان عقد ذمة (وإن كان المقتول كافراً)؛ فإن كفره لا يبيح نقض أمانه، وهذا أمرٌ تعدَّاه غالب ملوك الدنيا، وكثير من أشرار الأمة.. ]. التنوير شرح الجامع الصغير أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم الخطبة الثانية ( نبرأ إلى الله مما يعمل الظالمون) ونبرأ إلى الله ممن تبرَّأ أو لعن أو سبَّ أيَّ صحابيٍّ عموما، أو أبي بكر وعمر وعثمان وعليٍّ رضي الله تعالى عنهم خصوصا: قال كَثِيرٌ النَّوَّاءُ: (سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ) ، وزيد بن علي من آل البيت، يسأله كثير النواء عن هذين الشخصين، الذين يسبهما الشيعة فَقَالَ: (تَوَلَّهُمَا) ، أي ترضَّ عنهما، لا تسبهما ولا تلعنهما، ولا تبرأ منهما (قَالَ: قُلْتُ: (كَيْفَ تَقُولُ فِيمَنْ يَتَبَرَّأُ مِنْهُمَا؟) قَالَ: (أَبْرَأُ مِنْهُ حَتَّى يَتُوبَ).