[ ص: 263] ذكر قدوم وفود العرب قال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة بن الزبير ، قال: فلما صدر أبو بكر وعلي ؛ رضي الله عنهما ، وأقاما للناس الحج ، قدم عروة بن مسعود الثقفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما. وكذا قال موسى بن عقبة. وأما ابن إسحاق فذكر أن قدوم عروة بن مسعود كان في إثر رحيل النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل الطائف وعن مكة ، وأنه لقيه قبل أن يصل إلى المدينة فأسلم ، وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنهم قاتلوك ". ثم بعد أشهر ، قدم:
وما تكرهون أن تسمعوا من بديل وأصحابه؟ فإن أعجبكم أمرٌ قبلتموه، وإن كرهتم شيئاً تركتموه؛ لا يفلح قومٌ فعلوا هذا أبداً! وقال رجالٌ من ذوي رأيهم وأشرافهم، صفوان ابن أمية والحارث بن هشام: أخبرونا بالذي رأيتم والذي سمعتم. فأخبروهم بمقالة النبي التي قال، وما عرض على قريشٍ من المدة، فقال عروة: يا معشر قريش تتهمونني؟ ألست الوالد وأنا الولد؟ وقد استنفرت أهل عكاظ لنصركم، فلما بلحوا علي نفرت إليكم بنفسي وولدي ومن أطاعني! فقالوا: قد فعلت! فقال: وإني ناصحٌ لكم شفيقٌ عليكم، لا أدخر عنكم نصحاً، وإن بديلاً قد جاءكم بخطة رشدٍ لا يردها أحد أبداً إلا أخذ شراً منها، فاقبلوها منه وابعثوني حتى آتيكم بمصداقها من عنده، وأنظر إلى من معه وأكون لكم عيناً آتيكم بخبره. فبعثته قريشٌ إلى رسول الله، وأقبل عروة بن مسعود حتى أناخ راحلته عند رسول الله، ثم أقبل حتى جاءه، ثم قال: يا محمد، إني تركت قومك، كعب بن لؤي وعامر بن لؤي على أعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل، قد استنفروا لك أحابيشهم ومن أطاعهم، وهم يقسمون بالله لا يخلون بينك وبين البيت حتى تجتاحهم. وإنما أنت من قتالهم بين أحد أمرين، أن تجتاح قومك، ولم نسمع برجلٍ اجتاح أصله قبلك؛ أو بين أن يخذلك من نرى معك، فإني لا أرى معك إلا أوباشاً من الناس، لا أعرف وجوههم ولا أنسابهم.
وكان صلى الله عليه وسلم ينهى عن اقل من ذلك– ولما قال له رجل أنت سيدنا وابن سيدنا قال قولوا بقولكم ولا يستجدينكم الشيطان إنما أنا عبد الله ورسوله، مجرد كلام قاله الرجل وهو كذلك، هو سيدنا لا شك في ذلك ومع ذلك يقول قولوا بقولكم ولا يستجدينكم الشيطان إنما أنا عبد الله ورسوله، تركهم يغتسلون على وضوءه وما تنخم نخامه فوقعت في يد رجل إلا دلك بها وجهه وجلده، ولا يحدون النظر اليه تعظيما له – أي لا ينظر إليه فيملأ عينيه منه ولكن كان يصوب وجهه إلى الأرض – ولا يرفعون أصواتهم عنده. فرجع عروة إلى أصحابه وقال: أي قوم قد وفدت على كسرى وقيصر والنجاشي فوالله ما رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمدٍ محمد! وحدثهم ما رأى وما قال النبي، صلى الله عليه وسلم. بعض الأحاديث التي نقلها عن الرسول صلى الله عليه وسلم ـ عن عروة بن مسعود الثقفي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوضع عنده الماء فإذا بايعه النساء غمس أيديهن فيه. ـ وروي عن عروة بن مسعود الثقفي أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقنوا أمواتكم لا إله إلا الله، فإنها تهدم الخطايا كما يهدم السيل البنيان. قيل: يا رسول الله: كيف هي للأحياء؟ قال: هي للأحياء أهدم وأهدم.
ولادتها ووفاتها لم تُحدّد لنا المصادر تاريخ ولادتها ووفاتها ومكانهما، إلّا أنّها كانت من أعلام القرن الأوّل الهجري. ــــــــــــــــــــ 1ـ الزخرف: 31. 2ـ اُنظر: مدارك التنزيل 4/ 113. 3ـ اُنظر: كربلاء فوق الشبهات: 68. 4ـ اُنظر: المصدر السابق: 104. 5ـ الأغاني 3/ 230. بقلم: محمد أمين نجف
هكذا كانت دعوتهم تتعالى فوق الأهواء… وترتقي فوق شهوات النفس… ويهضمون أنفسهم في سبيل الله تعالى. رضي الله عن "عُرْوَةَ بْنِ مسعود الثقفي" وأرضاه ( [21]). الدروس والعبر المستخلصة من القصة: تشابهت قصَّتا قتْل الرَّجُلين: الرَّجُل المذكور في سورة يس، والصَّحابي: عُرْوَة بن مسعود الثَّقفي؛ فكلٌّ منهما رَغِبَ في هداية ونصيحة قومه لما يَنْفَعُهُمْ دنيا، واُخرى، لكنَّهم قتلوهُ ظُلماً وعدوانا.! تُوخذ النَّصيحة من الأحياء الأخيار، وقد توخذُ النَّصيحة والعبرة من حال الأموات.. شِعار المؤمن: النصيحة لجميع خلق الله، والابتعاد عن الغش، أو إلحاق الأذَى بهم.. كثيرٌ من المُصْلِحِين المُخْلِصين ضَحَّوْا بحياتهم من أجل غيرهم ليعيش مَنْ بَعْدَهُم سُعَداء. تَعَلُّمُ الصِّناعات النَّافعة لخلق الله، في السِّلْم، والحرب، مُرَغَّبٌ فيه، وضروري لِرُقِيِّ الأُمم. (فَمَنْ يُرِدِ الله أن يَهْدِيَهُ يَشْرح صَدْرَهُ للاِسْلاَم) ( [22]). مِنْ مُقْتَضَى حُبِّ الصحابة للنبي، صلى الله عليه وسلم، وامتثالِ أوامره: اسْتِئْذَانُهُم له، امتثالاً لقوله تعالى: (إنَّ الذين يستاذِنُونَك أولئك الذين يومنون بالله ورسوله) ( [23]). تحذير النبي، صلى الله عليه وسلم، لِعُرْوَةَ من قومه بأنهم سيقتُلُونه، لكنَّه اغْتَرَّ بمحبَّتهم السابقة له، قبل اعتناقه الإسلام، فأقبل، رضي الله عنه، على بيع نفسه لله، عز وجل.