والقناعة غنى؛ " قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاه "(أخرجه مسلم), و" لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ "(متفق عليه). والمعول على البركةِ, والبركةُ من الله, فلعمري ما حلت البركة في المال القليل إلا وسع فئاما، ولا نزعت من وفير إلا أصبح شحيحا, وفي آخر الزمان عند نزول عيسى بن مريم " يُقَالُ لِلْأَرْضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ، وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا، وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ، حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ, وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ "(أخرجه مسلم). والبركة بمفهومها الواسع هو حديث الجمعة القادمة -بإذن الله-, اللهم ارزقنا غنىً لا يطغينا, وصحة لا تلهينا, وفضلا منك ورحمة.
ومِن الأسباب أيضًا الجالبةِ للبركة صِلَة الرَّحِم فهي مِن أعظمِ أسباب حصولِ البركة؛ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَن سَرَّه أن يُبسَطَ له في رِزقِه، ويُنسأَ له في أثرِه، فَلْيَصلْ رَحِمَه»؛ رواه البخاري، فَصِلَةُ الرَّحِم سببٌ للبركة في الرِّزْق، وسبب للبركة في العُمر، وقطيعةُ الرحم شُؤمٌ على فاعلها - والعياذ بالله. وما يُدرينا -أيُّها الكرام- أنَّ ما نحن فيه مِن قِلَّة البركة في العمر والوقت والرزق، هو بسبب قَطيعةِ الرحم؟! ، فمَن كانت عندَه رَحِمٌ قد قطَعَها من الوالدَينِ، أو أعمام أو عمَّات، أو أخوال أو خالات، أو أبناء عمومة، أو أيًّا كانت صِلةُ القرابة - فليسارعْ ويذهب إليهم ويصلُهم، ويُحسِن إليهم، حتى ولو أساؤوا إليه. ،،عندما نزعت البركه من اوقاتنا،،، - عالم حواء. ومِن الأسباب الجالبةِ للبركة قِراءةُ سورة البقرة؛ فقد قال الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم: «اقرؤوا سورةَ البقرة، فإنَّ أَخْذَها بركة، وتَرْكَها حسرةٌ، ولا يستطيعها البَطَلة»، قال معاوية: بلغني أنَّ البطلة هم السَّحَرة. ومَن أسباب البركة في الرِّزْق أداءُ الحقِّ الذي فيه، سواء كان هذا الحقُّ واجبًا، مثل الزكاة المفروضة، أو مندوبًا إليه غير واجب، مثل الصدقة، وغيرها قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «ما مِن يوم يُصبِحُ العِبادُ فيه إلاَّ ومَلَكانِ يَنزلانِ، فيقول أحدُهما: اللهمَّ أعطِ مُنفِقًا خَلفًا، ويقول الآخَرُ: اللهمَّ أعطِ ممسكًا تَلفًا»، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «ما نَقصتْ صَدقةٌ مِن مال»؛ أي: إنَّ الصدقة تكون سببًا للبركة.
نزع البركة.. الأسباب والعلاج حديثي إليكم اليوم عن مرض خطير أصاب المسلمين أفرادًا ومجتمعًا، وهذا المرض هو نزع البركة، فكثير من المسلمين لا ينعَم بالبركة في المال والأولاد، مع أن الله تعالى قال عنها: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 46]، وكثير منا لا يَنعم بزوجته مع أن الله تعالي جعلها سكنًا ومودة ورحمة، فقال - سبحانه -: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21]. تسكنوا إليها؛ أي: تألفونها، وترتاحون وتطمئنون إليها، ولكن الزوجة عندَ البعض لا أُنسَ ولا مودة ولا رحمة، مشاكل وخِلافات، ومحاكم، لماذا؟ لأنَّه لم يُبارَكْ فيها. ونزع البركة على مستوى الأفراد أدى إلى نزعها على مستوى المجموع، فالأمة اليوم كثيرة ولكن كثرة لا بركة فيها، وصدَق فينا قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: ((يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِهَا فقال قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قال: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ الله من صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ الله في قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ فقال قَائِلٌ يا رَسُولَ اللَّهِ وما الْوَهْنُ قال: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ)).
أظنك تقصد ما يتداول على مواقع التواصل الاجتماعي بلفظ: ( رفعت البركة عن ثلا: في الساخن حتى يبرد، وفي الغالي حتى يرخص، وفيما لم يذكر اسم الله عليه). فهذا الحديث ذكره ابن الحاج المالكي في كتابه المدخل، ولا يعرف له سند يرجع إليه لذلك فهو حديث لا أصل له، ولا يصح نسبته إلى النبي عليه الصلاة والسلام. لكن ورد نزع البركة عن الطعام الحار وما لم يذكر اسم الله عليه في أحاديث أخرى: - فورد في نزع البركة عن الطعام الحار حديث: " أ بردوا بالطعام، فإن الحار لا بركة فيه " وهذا الحديث مروي عن ابن عمر رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم، وروي بعدة أسانيد لذلك حكم بعض العلماء بحسنه. قال المناوي "فيكره استعمال الحار لخلوه من البركة ومخالفته للسنة ". - ومما ورد في نزع البركة عما لم يذكر اسم الله عليه: حديث ( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع) وهذا الحديث رواه ابن حبان وغيره، وحكم عليه بعض العلماء أنه حسن لغيره كما ذكر "المباركفوري" في عون المعبود شرح سنن أبي دواد. - أما نزع البركة من الغالي حتى يرخص فليس فيه حديث يشير إليه، ولكن روي في معنى هذا الكلام حديث في نزول البركة في المهر القليل.